فضاء حر

شيء يتقدم الحياة بخطوة

يمنات
ما حصل للشيخ صادق الأحمر ومن إليه، أمر مروع زلزل كياناتنا كيمنيين، الكثيرون منا على الأقل.
سلوك شائن ومشين، دخيل على أخلاقنا، لم نعتاده من قبل، بالنسبة لجيلنا أعني، و ماعرفناه من أحداث، و صراعات، و خصومات، بل وحتى تصفيات.
سلوك بشع، يفتقر الى نبل الفرسان وشرف الخصومة. إنه نوع من السلوك الحيواني الطقسي، الذي يفرغ فيه المعتدي قدرا مهولا من العدوانية، بشكل منهجي ومنظم، بغية إلحاق الحد الأقصى من الإهانة والإذلال بالمعتدى عليه، لهدف نهائي، على ما يظهر، يتمثل بترويع كل الخصوم القائمين والمحتملين، من خلال جعل الضحية “المختارة” عبرة لمن يعتبر.
تكرار هذا السلوك، يجعل منه طقس هجاسي “مرضي” ينتظم في مجموعة من التصرفات المنمطة أو التي تتخذ طابعا نمطيا. يتم تطبيقها بكثير من الدقة في تسلسلها التصاعدي، مع الحرص على الثبات في تنفيذها، دون اكتراث بالقيم والعادات والتقاليد والأصول والقواعد والأعراف، و بكل ما يمكن أن يقوله الناس.
تصرفات عدوانية هجومية في الظاهر، ولكنها في العمق، ذات هدف دفاعي، غرضها القضاء على خطر بروز رغبات أو نزوات أو أفكار مقاومة، حقيقية أو متوهمة.
يلجأ اليها عادة من كان، هو نفسه، ضحية لعدوانات غاشمة ويخاف من تكرارها ضده على الرغم من تحوله من وضعية المعتدى عليه، الى وضعية المعتدي، أو كما يقال من حالة الضحية الى حالة الجلاد. (والمستغرب هنا أن يفسر البعض ما تقوم به مليشيا الحوثي على أنه نزعة ثأرية إنتقامية ضد بيت الأحمر، على الرغم من أن هؤلاء لم يكونوا طرفا في الحروب الظالمة التي شنت على الحوثيين، ما يعزز الحاجة لتفسير أكثر دقة).
لسنا طرفا في الصراع، ولا نتتبع تفاصيله أصلا، و لكننا طرفا في “المواطنة” التي تحتم علينا فهم ما يجري حولنا وإدانة كل سلوك يهدد قيم هذه المواطنة وأسس العيش المشترك. نتفهم أن الشيخ الأحمر قد يكون متهما بأي جرم، مثله مثل غيره من مواطني هذا البلد، ولكننا لانفهم، ولا نتفهم، أن يهان أو يذل، على ذلك النحو الذي يشعر معه المرء بإهانة وإذلال الإنسان، بما هو إنسانا مجردا.
من المفيد، ربما، أن نذكر هنا أن الدستور يقرر في المادة 52منه ما يقرأ على نحو: (للمساكن ودور العبادة ودور العلم حرمة ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها إلا في الحالات التي يبينها القانون)، وأن القانون يقرر -بنص المادة 12 إجراءات جزائية – ما لفظه:(للمساكن ودور العبادة ودور العلم حرمة فلا يجوز مراقبتها او تفتيشها الا بمقتضى امر مسبب من النيابة العامة وفق ما جاء بهذا القانون ويجب ان يكون ذلك بناء على اتهام سابق موجه الى شخص يقيم في المكان المراد تفتيشية بارتكاب جريمة معاقب عليها بالحبس على الاقل او باشتراكه في ارتكابها او اذا وجدت قرائن قوية تدل على انه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة، وفي جميع الاحوال يجب ان يكون امر التفتيش مسببا).
والقول بأن ما تقوم به مليشيا الحوثي يأتي في سياق (الثورة)، مجرد لغو عديم المعنى، لسبب بسيط، هو أن الثورة المزعومة تلك أنتهت، بصرف النظر عن موقفنا منها، الى التوقيع على ما أسمي ب (اتفاق السلم والشراكة) الذي يعني في ما يعنيه، التسليم بالمنظومة القانونية القائمة في البلاد والاحتكام اليها.
و بإمكان جماعة الحوثي الاستعانة بأجهزة الدولة، التي باتت، عمليا، في قبضتها، لحل خلافاتها مع خصومها، حفاظا على الشكليات والمظاهر على الأقل.
الدنيا ليست فوضى، إذ حتى الثورات نفسها تحتكم الى نظمها، وقوانينها العرفية الخاصة. والغريب أن تبدو جماعة الحوثي، بكل ماتفعله، وكأنها حريصة، لسبب نجهله، على أن تستثير، تستحث، وتستعجل، مع الأسف، ثورة شاملة ضدها.
الحياة غالية، ولكن هناك ما هو أغلى من الحياة، إنه الكرامة.
فلا تدفعوا الناس للتضحية بالغالي من أجل ما هو أغلى.
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى