فضاء حر

محنة شعب اسمه اليمن

يمنات
جاءت فكرة الأحزاب السياسية لتحرر الفرد من تحيزاته المناطقية والطائفية، و من أي تبعية تقليدية أصولية لصالح فكرة المواطنة بمفهومها المدني والحضاري، و ذلك من خلال تبني طرقا جديدة تعزز من سيادة القانون و تحمي مصالح و حقوق المجتمع من أي انتهاك عبر الطرق السلمية المشروعة.
هي الصيغة المدنية الأكثر جدارة بتكوين فكرة المشاركة السياسية وفتح علاقات الأفراد داخل الجمهورية بعضهم ببعض، و علاقة المجتمع بالسلطة و تضطلع بدور تنموي هام في أوساط فئات المجتمع بمن فيهم الشباب الذين تصقل فيهم التعاريف الأولية لمجمل علاقاتهم بالوطن والثورة والمجتمع والسلطة والقانون ..الخ
و في الحالة اليمنية اعتلت هذه الأحزاب و تعالت على الجماهير و تاجرت وكذبت .. وعندما غاب الدور الريادي للشباب كان للشخصية الحزبية طاعنة السن تكوينات نفسية سيكولوجية، ثارات و خلافات شخصية خارج سياق الفكرة الوطنية، قدمتها لأفرادها على أنها الهدف الكامن للتغيير بضرورة وطنية توهيمية إلى جانب اختلالات أيديولوجية بالجملة، و تلك المراوحة والمزايدة مع السلطة بين الحين و الآخر لم تكن فيها شيء للوطن سوى مفاوضات تحقق مصالحهم الشخصية، مستغلة الخطاب الثوري التي كانت تصدره لجماهيرها الوفية.
قدم شباب اليسار اليمني أروع التضحيات و النماذج الوطنية بتفوق و وعي هائل على أهم الأحزاب اليسارية في الوطن العربي، لكن مع كل خطوة فساد في السلطة كانت قياداتهم تخطو في سباق مع أحزاب اليمين الانتهازية الديماغوجية، إرضاء للحاكم و تأمين مصالحهم الأسرية الخاصة، بعيدا عن تطلعات الشعب اليمني الذي انتظر طويلا أي فاعلية على سبيل ما تنتجه مراكمة تجاربهم و تضحياتهم النضالية لعقود زمنية.
و رغم الشواهد بوجود اختلالات و اعتلالات تنظيمية و سياسية واختلال آليات العمل السياسي داخل هذه الأحزاب، إلا أنها لم تتضح جليا إلا في لحظة انتفاضة شعبية شبابية. مثلت ثورة 11 فبراير 2011 محطة اختبار حقيقية كشفت ستر بشاعة هذه الأحزاب خلال عقدين من الفساد والتآمر والاستبداد والإرهاب الفكري والسياسي، التي كانت تمارسه على الشعب و داخل مستوياتها التنظيمية، و مؤخرا انكشف غطاء مناطقي و طائفي واضح المعالم و الظواهر. هو الأخطر على التجربة الديمقراطية في اليمن.
هذه النتيجة المحبطة و السيئة بكل ما للكلمة من معنى أطاحت ليس فقط بثورة الشباب عندما شكلت سلطة توافق محولة لحدث شبابي شعبي كبير إلى أزمة أفضت إلى تسوية سياسية، و إنما وقفت مانعا وعائقا كبيرا أمام أي تشكل لكيانات سياسية جديدة، بعد أن استنزفت تضحياتهم التي شكلت تجربتهم الشخصية على المدى الطويل داخل أطرها التنظيمية، محققة النتيجة المحبطة لأي فعل سياسي قادم بعد أن وصلت العملية السياسية اليمنية إلى احتقان الوضع الأمني في البلد، و من ثم انفجاره بكوارث و تداعيات طائفية و مناطقية. و هي الجهوزية الوحيدة التي كانت تحملها هذه الأحزاب في أدراجها بعد ظهور نبرتها و تسرب جيفتها من مقراتهم، و من ثم حدث التآمر على الوطن و وصلت مؤخرا خياراتهم إلى استدعاء التدخل الأجنبي و انتهاك سيادة البلد بدعوى الشرعية – ﻻ نستثني حزبا بعينه – بعد أن صارت في أحضان عدو تاريخي غير أوراق لعبته ليصبح عدو الأمس صديق اليوم، بينما وقفت الجماهير اليمنية مندهشة و عاجزة و مصدومة أمام نهاية ﻻ تحتملها الأوصاف و ﻻ تعبر عنها مصطلحات الحداثة.
تآمر الجميع على جماهير الشعب اليمني و ها هو بين خيارات الموت المتطرف والإرهابي، و انخرط الكثير من اليمنيين في صفوف الموت غير مبالين بالنتائج و ﻻ بالمضامين. ما هو إلا ردة فعل سيكولوجية بالدرجة الأولى على توالي و تواتر خيانات ساستهم و حكامهم ﻹرادة و تضحيات أبنائهم، دون أدنى اعتبار للقدر الغالي و الملحمي التي صدرته طلائع و أحرار الشعب.
لن ينتهي المشهد إلا بتشظي البلد و انقسامه و تدمير نسيجه الوطني بين قوى سياسية فاسدة و أخرى أصولية رجعية متطرفة إرهابية. الأولى تشكل الخطاب و الشكل السياسي و الثانية تشكل حتمية الموت والقتل البشع!.

زر الذهاب إلى الأعلى