فضاء حر

الفلكلور السياسي في لبنان

يمنات

د. فؤاد الصلاحي

لبنان دائما متميز في نظامه السياسي الذي توافق فيه قادة الطوائف وامراء الحرب الاهلية على نمط المحاصصة وفق المرجعية الطائفية ، التي اضحت ذات قوة ونفوذ بعد الحرب الاهلية واعتماد مرجعية الطائف التي يطلق عليها مرجعية التوافق السياسي الوطني ..وتم تصميم النظام وفق ترويكا ثلاثية يكون فيها منصب الرئاسة للطائفة المارونية ..وبعد ان انتهت مدة الرئيس السبق بقي منصب الرئيس شاغر لمدة ثلاثين شهر لم يتغير الوضع المجتمعي كثيرا خاصة وان البرلمان لم يكن عاملا طوال هذه الفترة الزمنية وعمل محدود للحكومة ..

وفي كل مرة يدخل كل المكونات الطائفية السياسية في مساومات عاصفة من اجل اختيار شخص الرئيس ورئيس الحكومة خصوصا منذ ظهور حزب الله متميزا بامتلاكه السلاح ضمن توصيفه كتنظيم مقاوم تارة او تنظيم طائفي مدعوم من الخارج الاقليمي تارة اخرى ..فحمله السلاح شكل خرقا للتوازن داخل المجتمع الطائفي وهو امر معلن من الجميع ..ومع حدة الاستقطاب الاقليمي الذي تتوزع الطاوئف في تحالفاتها الخارجية فشلت السعودية وهي اللاعب التقليدي في لبنان منذ سنوات في دعم مرشح متقارب مع الاطراف السياسية المتحالفة معها ..مما اجبر الحريري وهو الحليف التقليدي للسعودية الى سحب مرشحه ومرشح تحالفه 14 أذار واعتماد مرشحا اصر حزب الله عليه (مرشح 8 اذار ) وكان اصراره قويا وحاسما خاصة وان 44 جلسة في البرلمان لم تنجح في الانتخاب لعدم توافر النصاب اللازم …

وحينما تم التوافق بين الحريري وعون وقبله بين حليف الحريري داخليا (جعجع ) الذي تنازل عن ترشحه لصالح عون في اطار وحدة الصف المسيحي يمكن القول بنجاح التحالف السوري الايراني وحزب الله في دعم ميشيل عون ..

وهذا الاخير قائد عسكري اسندت اليه مهمة رئاسة الحكومة سابقا في آتون الحرب الاهلية وكان خصما للتواجد السوري في لبنان حتى اجبرته سوريا بقصف جوي على مقر الرئاسة الذي كان متحصنا فيه فهرب لاجئا الى فرنسا ..عاد وغير تحالفاته متجها صوب الطرف الاقوى لبنانيا (حزب الله ) ودخل في لعبة اقليمية كبيرة …

وللعلم الرئيس في لبنان ليس محل اختيار محلي بل محل توافق اقليمي ودولي ..ففرنسا لها دور كبير مع الامريكان وكذلك السعودية وايران …ومع التوافق السياسي والحزبي قبل الانتخابات الذي مهد لاقرار عون مرشحا ظهر الفلكلور اللبناني سياسيا في لعبة شد اعصاب داخل البرلمان حيث لم يحصل عون على الاصوات المطلوبة من الجلسة الاولى كما كان مأمولا ومتوقعا، وتم وضع اوراق زيادة على عدد الاعضاء في الجولتين الثانية والثالثة حيث تزايد معها شد الاعصاب والتساؤل عن مدى الالتزام المعلن سابقا باختيار عون ..فكان التصويت له في الجولة الرابعة .. وقد اظهر في كلمته اشارات الى ما تم التوافق عليه مع الحريري ومع حزب الله ومع الاطراف الاخرى .

ومع الاقرار الانتخابي للعماد عون فان بؤر الازمات المحيطة بلبنان تكاد تعصف به اذا تزايد حدة الاستقطاب لاطراف معينة خاصة الازمة السورية ..

فلبنان بلد صغير في المساحة والسكان والازمات المشتعله في كل محيطه الاقليمي الامر الذي يتطلب من الرئيس الجديد توازنات دقيقة ومدروسة والا وصلت اليه تلك النزاعات المشتعلة ..والمثير للجدل والاستغراب دعوة قادة الطوائف الى دولة وطنية ومواطنة متساوية في حين هم يقودون طوائفهم باعتماد تضخيم للهويات الفرعية باعتبارها مجالا اول للهوية السياسية والمجتمعية وهو امر مناف للهوية الوطنية الجامعة ..

اتمنى ان يتحقق الاستقرار في لبنان وفق براجماتية سياسية ترتقي تدريجيا بالعمل السياسي نحو الوطن والشعب كخيار اول يسبق ويعلوا خيارات الطائفية المغلقة ..؟

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى