فضاء حر

صناعة التخلف و الجمود و النفاق

يمنات

نبيل حيدر

إطلاق العقل بالتفكير في البيئة الإسلاموية يحظى باستقبال عظيم لدى المتشددين الجاهزين بأحكام مسبقة مصنوعة من خيالاتهم الواسعة .

و مع أن التفكير توجيه رباني بل فطري محض إلا أن سهام الأحكام جاهزة و لا مانع لديها من الانتقال من التصويب المعنوي و الافتراء إلى التصويب الجسدي .

فأنت علماني ملحد أو متأثر بالاستشراق إذا فكرت في تراث كان يحرم استعمال حنفية الماء للوضوء لولا أن جاء من أباحها ، و الغريب أن المبيح لها بعد التحريم ليس عند هؤلاء ملحدا ، و لن يكون غريبا أن يكون من فكر يومها في مرحلة تحريم الحنفية و جهر بأنه ما المانع من استعمالها و لما هذا الجمود ، لن يكون غريبا أن صبت عليه تهم العمالة و الإلحاد و غيرها ، فهذا المجتمع يتوارث التجهيل و التعصب الأحمق و يتناوب عليه حراس غلاظ العقل .

و أنت وهابي امريكي إذا تأملت في التراث الشيعي و اختراعاته ، و أنت شيوعي شيعي إذا تأملت في التراث السني و احتراعاته ، و هكذا يستمر القمع الفكري الذي بأي حال من الأحوال لا يمنع التفكير و قد يحجب الجهر بالفكرة و السؤال و التأمل و التدبر لكنه لا يمنعه . و كما يقول البعض .. فالغاية هي استمرار صناعة التخلف و الجمود و كذلك صناعة النفاق .

و يختلف الأمر عندما يصدر عن عالم حافظ راسخ في التراث و محفوظاته ، يختلف الأمر عندما يصدر عنه تغير في التفكير و في التفسير و في تمحيص الروايات ، عندها يكون كلامه حقا و هو ينسف شيئا من التراث ، فالتفكير حصري و ليس كما قرره الخالق سبحانه لجميع الناس حقا من الحقوق .

و مع أن شواهد الانغلاق و آثاره واضحة إلا أن العيون تصر على العصابات و تتمسك بها ، ينتشر سفك الدم على الاختلاف و سعيا للتسلط و يستمر تكريس ثقافة التغلب و الفخر بها ، و يستمر إعلاء قيمة نماذج القمع ، ينتشر ذلك و يستمر و معه ظلم اخترعوا له المسوغات الدينية و قالوا للناس هكذا يأمر الله ، و إذا بحث باحث في جذوره و أصوله قذفوه بما يقدرون عليه من أدوات الانغلاق و القمع .

و من المضحك أن حراس أي مذهب يشجعون الناقد بل القادح و الشاتم في تراث مذهب آخر ، لكن أن ينتقد شيئا مما يعتقدون فلا ، فهنا مقدس ممنوع من التداول و ما عليك إلا التسليم لتحريم (حنفية التفكير ) و اعتبار استخدامها منكرا و حتى إشعار آخر ممن يملك الحق الحصري في تحليلها و تحريمها .

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى