فضاء حر

الألم يجعلك شخص أكثر وحدة وأكثر نفورًا ممن حولك

يمنات

شوقي نعمان

الألم لا يصنعك كاتبًا ولا المعاناة تصنعك عظيمًا هذا كله وهم يباع ويشترى عند الكثير، الألم يجعلك شخص أكثر وحدة وأكثر نفورًا ممن حولك، والمعاناة كذلك تسرق منك أحلامك وطموحاتك بثمن بخس.

حين قال لي أبي ان العظماء يولدون من رحم المعاناة كان خاطئ ويدرك ذلك بنفسه ،لكني لم اعاتبه خشية من توجعه وتحسراته لفشلي الذي أعيشه على هيئة يأس حميم..!

ربما البعض منا قادر على تجاوز هذا الغيم ولكن لفترة قصيرة جدا وسيجبره الوقت إذا لم تهده الحرب على الاستسلام.

ذات يوم قالت لي أمي سريعا ما يُصاب الشاعر والكاتب والأديب بمرض القلب لا يعرف الأطباء فتشيخ الحياة فجأة في قلوبهم فيتركوا كل شيء، بين الحقيقة والعدم بين التيه والخيال، يتركوا أحلامهم تشيخ ورفاقهم كذلك يتوزعون بين السجن والمنفى والنسيان والغناء والجوع، الجنون..

قالت لي أيضا في يوم آخر يا إبني يومًا ما ستُصاب بالكثير من الخذلان وستترك الأحلام الوردية التي باعوها لك الرفاق والأصدقاء، ستذهب بعيدا تبحث عن عالمك بين ثنايا الوجع تاركا كل شيء غير مكترث لشهادتك أو تخصصك أو علاقتك الواسعة جدا.

يا إبني اسمعني جيدًا هناك فرق بين من يبيع الوهم وبين من يحتضنك وينتشل من الجحيم ربما لم تقل بهذه اللهجة لكنها قالت هذا لو بلهجتا العامية الخاصة !.

في وطن معتل النوان ومنصوب بالوساطة ومرفوع بشيخ القبيلة لن تجد ذاتك إلا تائه غريب أو مجرد مطية يوجهونك كيفما يشاءون !.

قال أبي ردًا لهذا وذاك وتلك:
يتجاوز الإنسان تعثراته بالعمل والكفاح ليس بشيء آخر
انتصر لنفسك ولنا من واقع هذه الحياة البائسة، لا نريدك مناضلاً في هذا الوهم تتنقل بين السجون مثل شقيقك لسنوات، لا نريدك فيلسوفًا بلا عمل تبيع المنطق والحكمة للجهلة والاغبياء، نريدك شخص آخر، شخص يعمل ويكافح بكل الطرق شخص ينتج أكثر مما يتكلم..

لم أكن راضية عنك حين درست هذا المجال لأني أعرف واقع من سبقوك ومدى تشردهم وكيف وقعوا ضحايا في هذا الوطن؟؟

ايا بني أنت أملنا الوحيد ومنقذنا الأخير فلا تخذل توقعنا وحلمنا المرتبط بك..!

حسنا يا أمي دعيني أرد النفس واكتم تنهداتي وأخبرك عن كل شيء بالتفصيل !.

مرت الأيام تلو الأيام وأنا أتنهد وأبكي ولم أخبر أمي بالتفاصيل . لكني أصبحت ممتاز بحفظ الشعر وأجمل قصيدة قرأتها للمتنبي” أنا الغريق فما خوفي من البللِ”

وحتى اللحظة لازالت غارقا هنا في عنق قصيدة وطن ونص باذخ يشبه امرأة باعت أنوثتها للشيطان…!

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
 

زر الذهاب إلى الأعلى