فضاء حر

جدليه العلاقه بين الهويه والمواطنه

 

سنحاول وقبل الولوج في متن الموضوع ان نبرز هذه التعريفات والتي ترتبط بموضوعنا ارتباطناً وثيقاً وكونها ايضاً سبيلاً آمناً وسهلاً لفهم واستيعاب الموضوع فكره ومعناً وتحليلاً وواقعاً ايضاً .

وسنحاول ان نعتمد في موضوعنا هذا على اسلوب او طريقه البحث العلمي لكون هكذا مواضيع تحتاج الى قدره تحليليه علميه غير تخمينيه او نظريه شخصيه بل الى خبرات وتجارب عينيه والى تحليل مهني واكاديمي ناتج عن تراكم تجربي ومعرفي واكاديمي لآن هذا الموضوع ليس بالسهل ولا بالهين فهو مرتبطاً بنا وبمصائرنا وبمكوناتنا الاجتماعيه والثقافيه ولهذا فقد استقيت مصادر موضوعي هذا من أأمن المصادر الفكريه واوسعها قدره ثقافيه ومهنيه ومن قدرات علميه واكاديميه مرموقه .

وسنبداء حديثنا هذا بتعريف الوطن والذي يعتبر الوعاء والحاضنه الوطنيه لمخاض الهويه والحقوق الوطنيه .

يعُرف الوطن :- بأنه المكان التي يرتبط بها الشعب ارتباطا تاريخيا طويلا. المنطقة التي تولدت فيها الهوية الوطنية للشعب. أو باختصار ذلك المكان الذي ممكن ان يفدى بالروح والدم ليست هذه المنطقة الجغرافية بالضرورة مكان ولادة الشخص .. بل هي المنطقة الجغرافية التي ولدت فيها أمته. تعني هذه الكلمة في لغات مختلفة( الوطن ) في السياق المعبر عن الانتماء.  (1)                                                                         

 

 أما الهويه الوطنيه فيمكننا ايجازها على النحو التالي :-

الهوية الوطنية: هي مجموع السمات والخصائص المشتركة التي تميز أمة أو مجتمع أو وطن معين عن غيره، يعتز بها وتشكل جوهر وجوده وشخصيته المتميزة. (2)

اما المواطنه فيمكننا القول :-

المواطنة هي الانتماء إلى مجتمع واحد يضمه بشكل عام رابط اجتماعي وسياسي وثقافي موحد في دولة معينة. وتبعا لنظرية جان جاك روسو "العقد الاجتماعي" المواطن له حقوق إنسانية يجب أن تقدم إليه وهو في نفس الوقت يحمل مجموعة من المسؤوليات الاجتماعية التي يلزم عليه تأديتها. وينبثق عن مصطلح المواطنة مصطلح "المواطن الفعال" وهو الفرد الذي يقوم بالمشاركة في رفع مستوى مجتمعه الحضاري عن طريق العمل الرسمي الذي ينتمي إليه أوالعمل التطوعي. ونظرا لأهمية مصطلح المواطنة تقوم كثير من الدول الآن بالتعريف به وإبراز الحقوق التي يجب أن يملكهاالمواطنين كذلك المسؤوليات التي يجب على المواطن تأديتها تجاه المجتمع فضلا عن ترسيخ قيمة المواطن الفعال في نفوس المتعلمين.

في القانون يدل مصطلح المواطنة على وجود صلة بين الفرد و الدولة. بموجب القانون الدولي المواطنة هي مرادفة لمصطلح الجنسية، على الرغم من أنه قد يكون لهما معان مختلفة وفقا للقانون الوطني .

 والشخص الذي لا يملك المواطنة في أي دولة هو عديم الجنسية. (3)


  المواطنة والهوية  :-


 يمكن القول أن( الهويه )

 هي الخصوصية التاريخية والثقافية التى تجمع بين أفراد الوطن الواحد وينتج عنها إحساس هؤلاء الأفراد بالإنتماء إلى أمه معينة والارتباط بوطن معين وتكوين نسيجه المتجانس والمشاركة والتأثير فى أحداثة وصناعة مستقبله .


إذاً، ترتبط الهوية بالمواطنة ولا تنفصل عنها، ولذلك فإن التركيز على عناصر الهوية المشتركة   التاريخية والثقافية – بين أبناء الوطن الواحد يغذى الإحساس بالمواطنة والإنتماء والاندماج الوطنى. يرتبط بذلك أهمية التركيز على عناصر الهوية المشتركة التى تعلو على الهويات الجزئية كالدين (المسلمين والمسيحين فى مصر) أو اللون أو العرق أو النوع أو الانتماء لمنطقة جغرافية قد تكون لها خصائصها الثقافية الجزئية ) كحالة سكان سقطرى وابناء محافظه مأرب  .)  

ولا شك أنه فى حالة إحساس مجموعات وطنية  بالمواطنة المنقوصة – حتى وإن كانت هناك نصوص دستورية تدعم وطنيتهم الكاملة ولكن دول تفعيل قانونى وثقافى لمبادئ المساواة التى تنادى بها هذه النصوص على المستوى العملى التطبيقى – فإن ذلك لا يترتب عليه فقط عزلة هذه المجموعات ولكن يترتب عليه تهديد تماسك الدولة وإضافة إعتبار جديد لإعتبارات أمنها القومى، خاصةً إذا ما كانت هذه الفئات المهمشة غير مندمجة جغرافياً فى الدولة بل متركزة فى مناطق جغرافية محددة. وبالتالى هذا التركز الجغرافى يزيد الشعور بالعزلة من ناحية ويقوى الشعور بالانتماء إلى المنطقة الجغرافية المحدودة من ناحية أخرى .

لذلك فإن التأكيد على الهوية المشتركة بأبعادها الكلية يزيد من شعور المواطن بأنه مواطن أصيل يتمتع بكامل حقوق المواطنة فى مقابل الشعور بأنه مواطن مقيم فى هذا الوطن فى إطار من العزلة والمواطنة المنقوصة، لا يشارك فى أحداث هذا الوطن الحاضرة ولا ذكر لأى دور له فى تاريخه ولا أمل له فى صناعة مستقبله . (4  )  

العلاقة بين المواطنه والهويه :-

اذاُ يمكننا القول بأن :-

  ( المواطنه )انتساب جغرافي  و(الهوية ) انتساب ثقافي.

المواطنة انتساب إلى أرض معينة، والهوية انتساب إلى معتقدات وقيم ومعايير معينة .

فما العلاقة بينهما؟ نذكر فيما يلي أمثلة للعلاقات بينهما.

 وللمشكلات التي تثيرها هذه العلاقات، فنقول :-

  الهوية لازمة للمواطنة؛ لأن المواطنين لا بد لهم من نظام سياسي، وعلاقات اقتصادية واجتماعية، وقوانين تضبط هذه العلاقات. وكل هذا إنما يبنى على معتقدات وقيم ومعايير؛ أي على هوية معينة.

  ليس الوطن الذي ينتسب إليه المواطنون هو الذي يحدد لهم نوع الهوية التي إليها ينتسبون. فالوطن الواحد قد تتعاقب عليه نظم مختلفة بل ومتناقضة. فالروس كانوا مواطنين روساً، حين كانوا ينتمون إلى الاتحاد السوفييتي، وحين كان نظامهم الاقتصادي اشتراكياً، وكان نظام حكمهم دكتاتورياً، وهم الآن مواطنون روس بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وبعد حلول الرأسمالية محل الاشتراكية، والديمقراطية محل الدكتاتوريه .  

  فالهوية إذن :- هي النظارة التي يرى من خلالها المواطنون ما هو مناسب أو غير مناسب، صالح أو غير صالح لوطنهم. فإذا اختلفت النظارات اختلف تقويم الناظرين إلى ما ينظرون إليه، وإن اتفقوا على الحقائق الحسية .

  وإذا صح هذا فإن المواطنين مهما كان إخلاصهم لوطنهم وحرصهم على مصلحته لا يمكن أن ينظروا إلى تلك المصلحة باعتبارهم مواطنين فقط، بل لا بد أن ينظروا إليها بحسب هوياتهم. لكن بعض الناس يتوهمون أنه بإمكان المواطنين في بلد ما أن يحلوا مشكلاتهم بمجرد انتمائهم الوطني. فيقولون مثلاً: لماذا لا نجلس باعتبارنا سودانيين فقط أو سوريين فقط، أو يمنيين، أو خليجيين، أو مصريين، وننسى انتماءاتنا الدينية. والأيديولوجية لنحل مشكلة من مشكلاتنا الاقتصادية؟ نعم هنالك مشكلات يمكن أن يحلها الناس حتى باعتبارهم بشراً، ودعك من أن يكونوا مواطني دولة من الدول، ولكن ما كل المشكلات كذلك، وإلا لما انتمى الناس أصلاً إلى ثقافة من الثقافات، بل نظروا إلى كل مشكلة باعتبارهم بشراً لا غير.   

خذ مثلاً مشكلة (مرض الإيدز): إن الناس سيتفقون باعتبارهم بشراً وبغض النظر عن انتماءاتهم الوطنية بأنه شيء ضار؛ لأنه خطر على حياتهم وحياة أولادهم، وهم باعتبارهم بشراً حريصون على الحياة. هل يتفقون على طريقة معالجته؟ ليس بالضرورة؛ فقد يقول المتدينون ـ مسلمين كانوا أو يهوداً أو نصارى ـ إن العلاج الحاسم إنما يكون بالكف عن أية ممارسة جنسية قبل الزواج. وقد يذهب المسلم إلى القول: إن هذا يستدعي فصل الرجال عن النساء، وإلزامهن بزي معين لا يكون مثيراً للرجال. ولكن أناساً من غير المتدينين قد يرون في مثل هذه الاقتراحات حداً من الحرية، وهي في نظرهم أمر ضروري ضرورة العفة التي ينشدها المتدينون؛ ولذلك يرون الاكتفاء بالبحث عن علاج طبي لا سلوكي .

وخذ قضية أخرى يواجهها كل البشر: (كيف تكون العلاقة الجنسية بينهم؟) هل تكون إباحية يقضي كل فرد منهم حاجته مع من شاء كيف شاء؟ هل يتزوجون؟ وهل يكون الزواج بواحدة أم أكثر؟ وهل هنالك حد لهذا الأكثر؟ هذه قضايا لا يحلها الناس بمجرد انتمائهم الوطني؛ لأنه ليس في هذا الانتماء ما يهديهم إلى خيار من هذه الخيارات، أو يفرضه عليهم .

لا بد للمواطنين إذن من هوية، من ثقافة تكون هي المنظار الذي ينظرون به إلى الواقع، والمعيار الذي يقترحون به الحلول لمشكلاته.

ولكن ماذا إذا كان المواطنون في البلد الواحد منقسمين إلى ثقافات، وهويات مختلفة؟ هنالك عدة احتمالات :-

  أحسنها من حيث الاستقرار وعدم التنازع:-  هو أن تكون إحدى هوياتهم هذه هي الغالبة من حيث عدد المنتسبين إليها. قيّدتُ الحسن بالاستقرار السياسي، وعدم التنازع ولم أقُلِ التطور العلمي، أو الاقتصادي، أو العسكري؛ لأن الهوية التي استقر أمرهم عليها قد لا تكون بطبيعتها مساعدة على ذلك .

  وإذا لم تكن هنالك هوية غالبة بهذا المعنى فقد يكون المنتمون إلى إحدى الهويات أقوى من غيرهم؛ فيفرضون على البلد هويتهم، وينظمون أمره على أساسها. هذا سيكون بالطبع على حساب بعض الحريات، لكن هذه الأدلجة المفروضة بالقوة قد تكون مساعدة على تطور البلاد اقتصادياً وعلمياً وعسكرياً، كما كان الحال في الاتحاد السوفييتي، وكما هو الآن في الصين، وكوريا الشمالية .

  وإذا لم يحدث هذا ولا ذاك، وكانت الهويات والثقافات المتعددة متساوية في قوتها فأمام مواطنيها خيارات .

  فإما أن يحلُّوا نزاعهم بتقسيم وطنهم، كما حدث للهند حين خرجت منها باكستان، ثم خرجت بنجلادش من باكستان، وكما خرجت أرتريا من أثيوبيا، وكما انقسمت شيكوسلوفاكيا، ويوشك أن تنقسم الآن أكرانيا .

  وإما أن يبحثوا عن صيغة يتعايشون بها رغم اختلافاتهم؛ فماذا يا ترى يمكن أن تكون هذه الصيغة؟

يرى بعضهم أن أحسن طريقة لتعايش مثل هذه الهويات المختلفة: هو أن تختار نظاماً علمانياً محايداً بينها، وديمقراطياً يعطى كل واحد منها حق الوصول إلى السلطة، إذا ما اختارته الأغلبية .

لكن المشكلة أنه لا يوجد نظام للحكم محايد بين هويات مختلفة اختلافاً أساسياً، ويستحيل عقلاً أن يوجد. لا يمكن أن يكون النظام الاقتصادي في البلد الواحد رأسمالياً واشتراكياً، ولا يمكن أن يكون اقتصاد السوق رأسمالياً يبيح الربا، وإسلامياً يحرمه ويفرض الزكاة، لا يمكن أن يكون النظام السياسي إسلامياً يلتزم بشرع الله باعتبار أن الحكم التشريعي له سبحانه، وديمقراطياً يعطي هذا الحق للبشر يشرعون ما شاؤوا؛ فالعلمانية هي نفسها إذن هوية من الهويات، فأنّى تكون محايدة بينها؟

ومن المتفق عليه بين منظِّري الديمقراطية من الغربيين، ودعك من عوام السياسيين من أمثال بوش: أن الديمقراطية لا تصلح ولا تكون سبباً للاستقرار إلا في إطار متفق عليه بين معظم المواطنين، ثم تكون خلافاتهم الثقافية خلافات فرعية داخل هذا الإطار العام الجامع. وأما إذا كانت الخلافات أساسية، وحول الإطار نفسه فإن الديمقراطية لن تحل إشكالاً، ولن تحقق استقراراً؛ لأنه لا أحد من المتنازعين سيقبل حلاً لمجرد أن الأغلبية التي يختلف معها قالت به .

ما الحل إذن؟

 الحل في مثل هذه الحال: هو أن يجتمع المختلفون، ويبدؤوا بتقرير المبدأ الذي هم متفقون عليه: أنه من مصلحتهم جميعاً أن يبقوا في وطن واحد، ثم ينظروا إلى الكيفية التي يحققون بها هذا الهدف، من غير تقيد سابق بديمقراطية، ولا علمانية، ولا غير ذلك من النظم والأيديولوجيات الشائعة، بل يقولون: هذه أوضاعنا، وهذه خلافاتنا؛ فلنبحث عن حل أصيل لها ومتناسب معها، وهو حل يستلزم ـ ولا بد ـ قدراً من التنازلات والمساومات، وقد يكون شيئاً جديداً يستفيد من الدين ومن التجربة الديمقراطية، أو العلمانية، أو غيرها، ولا يأخذ أياً منها بكامله.

هذا ما حاول فعله واضعو الدستور الأمريكي؛ فبالرغم من أن الولايات المتحدة تعد اليوم مثالاً للديمقراطية؛ إلا أن الذين وضعوا دستورها لم يكونوا ملتزمين بتجربة ديمقراطية معينة، ولا بمبادئ ديمقراطية معينة، بل كان بعضهم يخشى مما أسموه بدكتاتورية الأغلبية التي قد تؤدي إليها الديمقراطية. ولذلك جاء دستورهم شيئاً جديداً لا يمكن أن يوصف بالديمقراطي إذا ما قيس بالمبادئ الديمقراطية الصارمة. من ذلك أنه من الممكن ـ بل حدث ـ أن يكون الرئيس الفائز في الانتخابات أقل أصواتاً من منافسه. ومنها فكرة الكليات الانتخابية التي لا تقيد أعضاءها برأي ولايتهم، بل تجيز لكل واحد منهم أن يصوِّت لمن يراه صالحاً من المرشحين للرئاسة بغض النظر عن الأصوات التي نالها في الولاية .

لكن حتى هذا لم يحل الإشكال حلاً كاملاً؛ فما زال الشعب الأمريكي منقسماً في قضية العلاقة بين الدين والدولة، وما زالت الكتب فيها تكتب، والبحوث تُنشر، والقضايا ترفع، وهذا يعني أن التعددية ليست شيئاً حسناً في ذاته وبإطلاق. التعددية تكون حسنة إذا ما كانت إيجابية، وهي لا تكون كذلك إلا إذا كانت ضمن إطار ثقافي جامع؛ أي ضمن هوية جامعة. فتعددية الهويات المختلفة المتناقضة: هي مشكلة يجب أن تعالج وليست واقعاً يحافظ عليه، أو يتباهى به، كما يفعل كثير من الناس الآن في السودان وغيره؛ وذلك لأنه لا يسهل مع مثل هذه التعددية تحقيق استقرار سياسي، ولا يسهل معها من ثَمَّ تطور اقتصادي، أو علمي أو تقني. هذا هو المتوقع عقلاً، وهو الذي تدل عليه تجارب الأمم قديمها وحديثها.(5 )

______________________________________________________________

 




1-  ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

2- موقع الاسلام اليوم           

3-   ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

4-  د. سالي اسحق

5-المواطنة والهوية – مجلة البيان العدد 211 ربيع الأول 1426 هـ – أ.د. جعفر شيخ إدريس

زر الذهاب إلى الأعلى