فضاء حر

إذلال فاضح لليمن وشعبه!

"تخليداً لذكرى الجنود الأتراك الذين فقدوا أرواحهم أثناء تأدية خدماتهم ضمن الفيلق السابع في اليمن…". بهذه العبارة تم تقديم النصب التذكاري، الذي أقيم أمام مبنى مجمع وزارة الدفاع، في صنعاء، بالقرب من "باب اليمن". ورغم أن الجنود الأتراك كانوا غزاة في اليمن؛ غير أنه جرى الاحتفاء بهم، وتخليد أرواحهم وذكراهم، عبر إقامة نصب تذكاري في قلب عاصمة اليمن! هذه سابقة خطرة مرت دون أن ينتبه لها أحد، وهي تُمعن في إهانة اليمنيين، وتظهرنا كشعب غير محترم يمجد الغزاة ويحتفي بهم.

افتتح النصب الرئيس التركي السابق عبد الله جول، في 12 يناير 2011؛ خلال زيارته إلى اليمن. والنصب "تخليداً" للجنود الأتراك، الذين تقول سلطات بلادهم إنهم "استشهدوا في اليمن"، وتقيم مناسبة سنوية، تصادف 18 مارس من كل عام، للاحتفاء بذكراهم.

 الأرجح أن يمنيين لديهم مصالح مع تركيا مرروا هذه الجريمة في غفلة يمنية مريعة. وغير مستبعد حضور الجانب الأيديولوجي في إقامة هذا النصب؛ إذا ما نظرنا إلى حالة السعار والحرب المذهبية القائمة في المنطقة بين شيعة وسنة.

ولئن كان مفهوماً تخليد الأتراك لقتلاهم في اليمن كـ"شهداء"؛ فمن العار أن نفعل نحن ذلك؛ أياً كان المبرر، وأيا كانت الدعوى؛ ذلك أن إقرارنا بأن الجنود الأتراك "شهداء" لا يعني إلا تسفيهنا لآبائنا اليمنيين الذين ناضلوا من أجل تحرير بلادنا، وعانوا مرارات الغزو طوال الاحتلال التركي لليمن. وهذا يعني أيضاً موافقتنا الصريحة والمعلنة على الجرائم التي ارتكبها الأتراك خلال فترة احتلالهم لبلانا، وهذا أمر لا يقبله شخص لديه أدنى شعور بالكرامة والانتماء الوطنيين. كان يفترض أن تطالب السلطات اليمنية بتعويض من الأتراك جراء احتلاهم الطويل لليمن؛ لكنها إذ لم تفعل ذلك اتجهت للاحتفاء بذكرى جنودهم الغزاة!

غزا الأتراك اليمن، وظلوا محتلين لها لنحو 166 عاماً؛ إذ بدأ الغزو الأول في 1539م حتى تم إخراجهم من اليمن عام 1636م، إثر قيام ثورة بقيادة الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم. وبدأ الغزو التركي الثاني لليمن عام 1849م، واستمر إلى أن دخل الإمام يحيى حميد الدين مدينة صنعاء عام 1336هـ/ 1918م، وأعلن نفسه حاكمًا.

لقد تم إذكاء النزعات المذهبية بشكل مخيف؛ غير أن ذلك لا يُمكن أن يدفعنا إلى الاحتفاء وتمجيد وتخليد أشخاص غزوا بلدنا. وخلال تلك الفترة ارتكب الأتراك جرائم شنيعة في حق اليمنيين وبلادهم. و"الفيلق السابع" التركي، الذي تم تمجيد أفراده وتخليدهم بنصب تذكاري في قلب صنعاء، مارس انتهاكات كبيرة ومذهلة ضد اليمنيين.

وللتذكير؛ فقد تم افتتاح هذا النصب بحضور وزير الدفاع، اللواء ركن محمد ناصر احمد، ونائب رئيس هيئة الأركان، اللواء ركن علي سعيد عبيد، ومستشار القائد الأعلى للقوات المسلحة، اللواء ركن محمد علي القاسمي، ومدير دائرة التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع، العميد ركن علي الشاطر، ووكيل أول أمانة العاصمة، محمد رزق الصرمي، وسفير اليمن في أنقرة، الدكتور عبد القوي الإرياني، وسفير تركيا بصنعاء محمد دونماز.

وخلال افتتاح النصب، أشاد جول بالرئيس السابق، علي عبد الله صالح، على "دعمه لإنشاء هذا النصب التذكاري, الذي سيسهم في ترسيخ العلاقات المتميزة بين البلدين". ويمكنكم القول إن هذه هي القائمة الأولية لـ"العار اليمني".

وكأنه لم يعد بإمكاننا ترسيخ علاقتنا بتركيا إلا عبر هذا الانحطاط المذل. ما الذي جرى؟! ما كل هذا العار والذل الذي يتم فيه تمريغ اليمنيين، كشعب ووطن؟! إزالة هذا النصب مهمة وطنية تقع على عاتق كافة اليمنيين.

(صحيفة "الشارع"  السبت 4 اغسطس 2012:)

زر الذهاب إلى الأعلى