فضاء حر

الإرهاب و”ثقافة الموت”

 

  • بحث علمي أكاديمي، ومرجع مهم لدراسة ظاهرة الإرهاب، وعلى كثرة ما قرأت عن الإرهاب الوباء الذي اجتاح الكرة الأرضية، وأصبح وباء العصر بحق، أصاب معظم أمم وشعوب الأرض، فإن كتاب "ثقافة الموت" من أهمها.

    – الإرهاب وباء تمتد جذوره إلى الثورة الفرنسية كما يشير صاحب الكتاب الضخم والمهم الباحث القدير أحمد عبدالغني الجباري.

    الإرهاب كوباء بشري لا يرتبط بدين أو شعب أو أمة. فهو شايع وفاش في كل بقاع الأرض. فقد عانت منه الديانات السماوية "والأرضية" وطال الأمم الشعوب في القارات الخمس.

    منذ البدء يدرس الباحث كوارث الإرهاب. ويلاحظ ومعه حق أن الامبريالية والقوى الاستعمارية والقوى المستبدة والفاسدة حاولوا إطلاق الإرهاب على المقاومة القومية المشروعة، فثورات التحرير الوطني والاستقلال في الكرة الأرضية كلها قد أطلق عليها تهم "الإرهاب" الغطاء المبرر لوأدها وشن الحروب الاستعمارية ضدها. والأمثلة كثيرة.

    يقف الباحث أمام الفكر السلفي وعلاقته بالإرهاب ومع صحة ما ذهب إليه الباحث فإن هذا الوباء يمتد إلى كل الملل والنحل فالمسيحية وهي


    دين الرحمة قد عرفت محاكم التفتيش في العصور الوسطى. ومارس الاستعمار الغربي باسم التبشير والتمدن والتحضير أبشع ألوان العنف والإرهاب.

    صحيح أن السلفية والسلفية الجهادية تحديداً كمذهب تكفيري تزخر بهذا الوباء. وغالبا ما يصاب المنتمون إليها بأوبئة الإباحة والاستحلال. فجمودها على النقل وتقديس النص وتعطيل العقل وعبادة الماضي. وعدم القراءة الصحيحة للتراث تؤدي إلى التطرف والتكفير التأثيم والتقتيل.

    تمجيد التيار السلفي للقوة "الغلبة". واعتبار الشوكة أساس الحكم والتباهي بعصور الغلبة وغزو الشعوب في الدولتين الأموية والعباسية هو ما يدفعهم للانزلاق إلى الإرهاب وتقديسه واعتباره الوسيلة المثلى لاستعادة الماضي.

    يربط الباحث الجاد بين ظاهرة الإرهاب المتفشي كالسرطان وبين الامبريالية والأنظمة التابعة ويفرق بين حركات التحرر الوطني العربية التي تصدت للصهيونية وإسرائيل وبين التيارات الإرهابية التي دفعت إلى أفغانستان في صراع دولي "لا ناقة لها فيه ولا قضية".


    يشير المؤلف محقا إلى رمزية كتاب الفتنة الكبرى كطه حسين ودلالة معالم في الطريق لسيد قطب. فالفتنة تمثل آخر شمعة منبعثة في التنوير النهضوي بينما المعالم ارتكاس في الفتنة والاحتراق بها.

    فطه حسين تعمق في دراسته للإسلام والتاريخ برؤية أكثر عمقاً ووعياً. ورأى أن القرآن لا يعصم الناس. وقد اقتتل واختلف عليه في العصر القريب للوحي الصحابة والتابعون. واقتتلوا على المصالح والمنافع الدنيوية كبشر.

    أما السلفيون المرتدون إلى الماضي فقد خدموا الامبريالية وبالتالي وجدوا أنفسهم غرباء في مواجهة عالم بأسره. لأنهم كما يرى المؤلف ينتمون إلى مقولات ميتة وعاجزة حتى عن الدفاع عن نفسها ولا تمتلك الآليات الثقافية التي تؤهلها لامتلاك عناصر القوة.

    قراءة الباحث لانتشار موجات العنف تحتاج إلى تعمق واستقصاء أكبر. ودراسات الأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية الثقافية بصورة أوسع وأشمل. ومراعاة اختلافها من مرحلة أخرى ومن بلد لآخر.. وقصة خروج آدم من الجنة تحتاج إلى أكثر من قراءة.


    إدانة المؤلف لثورة الزنوج ومظاهرات الشغب في صنعاء وبعض المدن اليمنية عقب الوحدة غير منسجم ومنهج التحليل الذي اتبعه. فثورة الزنوج لا يمكن أن تكون نتيجة تحريض علي ابن احمد العلوي فحسب بل أن جذورها غائرة واقع استغلالي بشع. وتمييز ظالم واضطهاد، وهذا ما يؤكده الباحث نفسه، أما المظاهرات مطلع الوحدة فلها أسبابها أيضا لعل أهمها أسعار الديزل بل وعشرات الأسباب. فالذي يحرك الجماهير ليس التحريض وحده وإنما وجود قضايا حقيقية تمس حياتهم وحقوقهم وكرامتهم. ويأتي التحريض من العوامل الخارجية على هشيم قابل للاشتعال في جسد قابل للداء كما يرى المفكر الإسلامي مالك ابن بني. ويقينا فإن حرب 1994 لها عللها وأسبابها متمثلة في طبيعة السلطة القبلية المتعطشة لحكم الغلبة والفيد والاستفراد بأكثر مما نجده في مظاهرة الاحتجاج لجماهير خاب أملها في شريكي الحكم.

    لقد اتفقت منظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمرها في الجزائر عام 1988 على تغيير ميثاقها الوطني وتخلت عن استخدام السلاح ضد الغاصب الإسرائيلي. وهو الحق المشروع في كل الملل والنحل والشرعة الدولية. بينما رفض نيلسون مانديللا وهو السجين في جنوب أفريقيا لما يزيد عن ثلثي قرن رفض طلب التخلي عن الحق في استخدام السلاح


    الذي يرفض استخدامه لأنه قد اختار المقاومة السلمية أسوة بأستاذه غاندي ولكنه لم يتنازل عن الحق في استخدامه. وانتصرت مقاومة مانديللا السلمية على قوة الأبارثيد العنصرية.

    ولعل أهم ملمح في الكتاب قراءته المستنيرة للدولة الإسلامية. والرؤية الصافية للخلافة الراشدة ومنهم الطابع البشري والسياسي الصراع بين مؤسسي هذه الدولة ذات الطابع المدني كما قرأها أهم علماء العصر محمد عبده والأفغاني والكواكبي وأن باديس وخير الدين التونسي. وعلي عبدالرازق. ويتناول الباحث مراحل التأسيس لعهد الخلافة وصولاً إلى عثمان كباحث مائز ومتنور وذكي.

    قراءته لتمرد الخوارج مهمة وقد رجع لعبدالقادر البغدادي وهي قراءة من القراءات العديدة. ولعل لرواية الشهرستاني لحروب الردة والخلافات من حول الإمامة وما سفك فيها من دم أكثر عقلانية وعمقاً.

    إن الخوارج وجلهم من بني تميم النجدية كانت عصبيتها الجاهلية أقوى، كما يشير الشهرستاني مما دفع لعودتهم إلى الجاهلية. وإلى قيم وتقاليد الغنيمة والفيد النزعة القبلية هي الأساس في المراحل الأولى.




    ولكن هذا لا ينفي طموحهم للخلاص من عصبية قريش شأن أهل اليمن.

    نهج المقاومة الفلسطينية هي الأخرى بحاجة أيضاً إلى قراءة وإعادة القراءة. فالمقاومة أي مقاومة لأي شعب أو أمة أو حتى فرد مشروعة في كل الملل والنحل الدينية وغير الدينية. ولكن الأهم ليس السؤال عن الجواز والتحريم، وإنما عن النتائج والمردود. لقد استطاعت الانتفاضة الأولى السلمية 1987 تحقيق ما عجزت عن تحقيقه ثلاثة حروب قومية "خاضتها" جيوش ثلاث دول عربية هي دول الطوقي. كما أنجزت الانتفاضة السلمية ما عجز عن تحقيقه الكفاح المسلح لما يزيد على ربع قرن والذي خاضته الجبهات الفلسطينية فتح والشعبية والديمقراطية وغيرها.

    ويمكن اعتبار عسكرة الانتفاضة الثانية من أهم أسباب تردي الأوضاع حتى اليوم وإن كانت المسؤولية الأولى تقع على عاتق الاحتلال الصهيوني الاستيطاني المدعوم أمريكياً وأوروبياً- الخوارج كانوا أسرى الحروب الجاهلية.

    وأيضا حرفية القراءة للقرآن الكريم وهو ما حذر منه علي ابن أبي طالب.

    لم يكن الباحث موفقاً في المرادفة بين الصعاليك وإرهابيي اليوم، فالصعاليك في العصر الجاهلي – وتحديدا في الجاهلية أفراد شعراء مقاتلون وفتاكون إن شئت، ولكنهم متمردون على العصبيات القبائلية التمييزية. ولهم منازع إنسانية وقيم رائعة تطمح للعدل والأنصاف وتدين الظلم والاحتكار أما في العصور الإسلامية فأنشئت فئات من الشطار والعيارين والفتونة في بغداد ومصر. ولكنهم ليسوا بحال "الصعاليك" الذين تخلعوا من قبائلهم في الجاهلية. أما الفتوة والشطار والعيارون فهم متمردون على مجتمعاتهم المدنية وبلادة وحيف نظمهم الاجتماعية. ويقيناً فإن الشطار والعيارين والفتوة ومثلهم الصعاليك لا يمكن مقارنتهم بهؤلاء الإرهابيين المعادين للحياة أصلاً. وللتطور والحضارة الإنسانية والعداوة لأمريكا الراعية الأولى للإرهاب لا يبرر الإرهاب. فما تقوم به أمريكا في أفغانستان والعراق والصومال وفلسطين واليمن إرهاب من الدرجة الأولى وفي نفس الوقت فإن ما يقوم به الظواهري والقاعدة وأنصار الشريعة والجهاد الإسلامي.. إرهاب أيضا. وكل واحد منهما يرفد الآخر ويزكيه.

    صحيفة الأولى

زر الذهاب إلى الأعلى