فضاء حر

أنت الرئيس

لم يملأ المكان، الرئيس الجديد لم يملأ المكان الفارغ في أفئدة اليمنيين بعد علي عبدالله صالح.

هذا خطير للغاية، ولقد أرهقنا أنفسنا بإسداء نصائح رئاسية لجنرال لا يريد أن يقتنع أنه الرئيس، تفلت عدم قناعته الكاملة بأنه الرئيس من لسانه أثناء بعض الأحاديث الخاصة، وكل شيء يتسرب في صنعاء، أو من لقائه الجانبي بالرئيس أوباما على هامش دورة الأمم المتحدة، ولقد شكا لأوباما في ما يبدو أن هناك جهات في اليمن لا تزال غير قابلة برئاسته.

ولم يعد لدى أحد من المنصرفين كلية لرجاء امتلاء هذا الفراغ الرئاسي بوجود عبد ربه كامل الضربات، يتحدث للشعب بتواتر ويقول أنا لكم، أحمي الضعيف وأكون أبا لليتيم، وهذه دولة نظام وقانون، ويتحدث بلهجة من لا يدور داخله أي شك بأنه الرئيس. لم يعد لديهم سوى الهلع من هشاشة الوجود الرئاسي على بلد تحت تصرف المغامرين.

يبدو أننا سندفع ثمن عقدة تاريخية لا يطمئن فيها الحاكم لشيء كما يطمئن لرضا مراكز القوى وليس لرضوخها. الرضوخ لفكرة الدولة وليس لشخصك.

وللمرة الألف أنت يا فخامة الرئيس لست أحد الأقوياء، ولست طرفا، وعليك أن تشمل شعبك بالتواصل والرعاية، وأن تقف على مسافة واحدة من جميع الكيانات.

هذه انتخابات شعبية لا تضاهيها مشروعية ولا قوة، انتخابات وليست رجحان كفة الزمرة على الطغمة. لا أدري على وجه الدقة اسم مجموعة رئيسنا في صراع يناير 86، زمرة وإلا طغمة؟

ما وصلت إليه ليس تحايلا على الرئيس السابق، ولا خيانة له، والأطراف الدولية كما قوى الداخل تحتاجك أكثر من حاجتك إليها.

لطالما أثر عن عبد ربه نصيحته التاريخية لعلي عبدالله صالح أيام كان نائبه، وكيف أنه يؤكد له أهمية رضا أمريكا، ولا يكترث للبقية. وحين أصبح رئيساً، بدأ يتصرف وكأنه مدين بما وصل إليه للقوى الإقليمية والدولية وأطراف اليمن، وكأنه جزء من منظومة يغفل فيها تفوقه القاطع الناجز على عاتق الانتخابات، لا تتملق أحدا غير هذا الشعب الذي يريد تواجدك الآن يملأ قلقه ومخاوفه، وبديلا لأصوات الجماعات والطموحات وزعقات كهوف الماضي.

لا أحاول بهذا الحديث مؤازرتك وكأنك خالي وفرصتي الشخصية، أو أن أحدنا بصدد استعراض لهجة متعالية توجه الرئيس شخصيا، الأمر من أوله إلى آخره منحصر في أن وجودك الرئاسي الكامل سيكبح هوس التشظي والاستقطابات أثناء فراغ الفؤاد اليمني من حضور الدولة ممثلة بحضور الرئيس، وأنت الرئيس فعلا أيا يكن رد أوباما على شكواك، وأيا يكن ما يختلج في صدر الجنرال القادم من صاعقة 86، أو ما يخالجك من نوازع ريبية تجاه ما قد يفعله أو لا يفعله علي محسن أو أحمد علي. وأيا يكن أي شيء، يقصده علي محسن في تصريحاته الأخيرة من أنه كان الرجل الأول أيام الرئيس السابق، فأنت رجلنا الأول، أنت الرئيس، وقسما بالله إنك الرئيس، فتصرف على هذا الأساس.

ليس السؤال الآن هو: مع من تقف السعودية أو أمريكا؟ بقدر ما هو مع من تقف أنت، الشعب أو مراكز القوى؟

ألا تلحظ تحركات السفراء وسيادتنا المكشوفة على بجاحة الدبلوماسيات المتواجدة في صنعاء، سفير يتحدث عن صياغة الدستور الجديد، وآخر يلعب دور المندوب السامي، ولقد احتسبنا لك الإشارة للتدخل الإيراني على أنها بداية لرفض التدخلات السعودية وحتى الأمريكية، ذلك أن تصريحك ذاك إن كان غزلا لخصوم إيران، فتلك كارثة تؤسس لوضع سيادة البلد قيد الاستخدام أمام أبواب الدبلوماسية التي أصبحت في صنعاء أقل تهذيباً.

عن: صحيفة الأولى

زر الذهاب إلى الأعلى