فضاء حر

فلسفة التغيّر!

يمنات

الثقافة جزء أصيل ومقوم أساس لأي مجتمع، والثقافة بالتعريف هي مختلف العناصر والمكونات المادية والروحية للمجتمع. نمط عيش الناس في مجتمع ما من مأكل ومشرب وطريقة حياة، أمر ثقافي، الفنون والآداب والعلم القائم، أمر ثقافي أيضاً، العادات والتقاليد والمعتقدات وطريقة التفكير وأساليب تعامل الناس مع مختلف أمور حياتهم، تدخل ضمن مفهوم الثقافة. وعليه يوجد في أية ثقافة ما هو إيجابي، كما يوجد ما هو سلبي، كما لا تعد عناصر هذه الثقافة صحيحة كلها، وصالحة للبقاء، وفي نفس الوقت ليست خاطئة كلها. والثقافة منظومة حية وعرضة للتغيير الدائم، إثراءً وتطويراً في بعض عناصرها، وإلغاءً وشطباً وتجاوزاً في بعضها الآخر.

بيد أن تكريس العناصر الإيجابية تفرضه القوة الذاتية للإيجاب، أما تنحية السلبي فيتطلب نشاطاً وممارسة دؤوبة من قبل الإنسان، ولا يمكن أن تحدث عملية التغيير إلاّ من خلاله.

وعندما تسود ذهنية تفكير عند الفاعلين في مجتمع ما؛ تقوم على التسليم بالواقع والتعامل معه كما هو، والتعايش معه تحت ذرائع الواقعية، وهي في حقيقة الأمر ليست واقعية، بل تخاذل ورضوخ للأمر الواقع. وذهنية تفكير بهذه الطريقة تحكم على عجلة التغيير في هذا المجتمع بالتوقف، وبالعيش في حالة ركود مثل دوران عجلة على محور ثابت لا تذهب بك إلى أي مكان.

وفلسفة التغيير لا تستمد مقوماتها من الرضوخ لما هو سائد تحت مسوغات الواقعية، لأن ذهنية التفكير بهذه الطريقة تعد هروباً من مواجهة المشكلات، ونأياً بالنفس طلباً للسلامة.

وعلينا أن ندرك أن ما هو سائد في المجتمع ليس دليلاً على نجاعته وحقيقته؛ حتى لو كان المؤمنون به 99% من الناس. الأكثرية ليست دليل صحة، الأكثرية يجب أن يتم وزنها بمستوى التطور العلمي والمعرفي للمجتمع في المجتمع المحلي، مع مستوى التطور ذاته مع المجتمعات الأخرى، ففي المجتمعات التي تتكرس فيها ثقافة القطيع، ثقافة التسليم بما هو موجود على أنه يقين لا يقبل الشك، وتضع كوابح أمام التفكير النقدي العقلاني الحر، وذلك تحت وطأة التحريم والتكفير.. في مجتمعات كهذه؛ تغدو أية فكرة مهما كانت بليدة وتفتقر لأي مسوغ منطقي، صائبة، كما يمكنها أن تحقق أكثرية مطلقة. التغيير يحتاج إلى جسارة ومجابهة مع مشكلات الواقع، لا انسحاباً أو ذوباناً وتماهياً مع السائد!

عن: الأولى

زر الذهاب إلى الأعلى