فضاء حر

تبادل أدوار المقامرة باستقرار ومستقبل مصر

يمنات
ربح الجيش المصري, وخصوم جماعة الإخوان, مواجهة الأربعاء الماضي, بيد أن ذلك لا يعني انتهاء الصراع, كما لا يمكن أن يكون مبررا لمحاولة اجتثاث جماعة الإخوان.
ما جرى هو جولة صراع ما أظنه إلا طويلاً. ما حدث كان مجزرة بشعة تستوجب محاسبة قادة الجيش والمسؤولين المباشرين عليها نشوة ما يُعتقد أنه انتصار تدفع الكثير من نحو تغذية مشاعر الكراهية والتهييج من أجل المضي في ملاحقة الجماعة داخل مصر بغرض إلحاق أكبر قدر من الخسائر بها, عبر الإرهاب الأمني والعسكري لترويع ناشطيها والتنكيل بهم.
وتحت تأثير نشوة النصر القائمة, هناك من يرى أن ما تم أمس يوفر فرصة للمضي قدماً في اجتثاث الجماعة, وهذا الخطأ كبير سيضع مصر في قلب المحنة التي تعيشها اليوم جماعة الإخوان.
يُفترض اليوم أن يقوم الجيش المصري بإجراءات تطمينيه من أجل التهدئة, وفتح آفاق ممكنة لحل الأزمة, أبسط تلك الإجراءات تتمثل في الإفراج عن معتقلي الجماعة, أو أغلبهم.
كذلك يجب على الأحزاب السياسية في مصر أن تستبعد فعل المبادرة من سلطة الجيش, فتعمد الى تقديم مخرج آمن لجماعة الإخوان, وذلك لن يكون إلا عبر تبني مبادرة تُعيد الحل الى طاولة المفاوضات السياسية.
قامرت جماعة الإخوان بذاتها, ومستقبلها, عندما اعتقدت أن فوزها بالرئاسة والبرلمان يعطيها حق الاستفراد في حكم مصر.
وسيقامر الجيش المصري إن أعتقد أن “الانتصار” على الجماعة, في مواجهة أمس, تُعطيه الحق في ملاحقة الجماعة والتنكيل بها, كعملية عقاب لتصفية ثارات شخصية سابقة؛ أو كمقدمة لاجتثاثها.
إذا استسلم الجيش لنشوة النصر الحالية, ووضع نفسه في حالة حرب مفتوحة ضد جماعة واسعة من أبناء شعبه, فسيضع نفسه في عملية مقامرة سيُخاطر فيها بمصر, وباستقرارها, وبمستقبلها.
أسوأ ما في الأزمة المصرية هو أن الأحزاب السياسية, ونخبه السياسية والثقافية, ذهبت الى ما هو أبعد من الاصطفاف وحالة الفرز غير الصحية؛ إذ ظهرت ضمن موجة نزق استجابت فيها للخطاب الشعبي المتشنج, ونزوع عدد من جنرالات الجيش والأمن نحو تأجيج الكراهية لجماعة الإخوان, وتحويله الى موجه ثأرية لتصفية الحسابات مع أدائها السياسي الأخرق خلال فترة حكمها القصيرة لمصر.
تورطت النخبة السياسية المصرية, أحزاباً وأفراداً, في حالة الاصطفاف المأزومة, وعملية التحشيد والتحريض وقد ادى لذلك فيم جمله, ضمن أشياء أخرى, الى تجريد هذه النخبة من وظيفتها الرئيسية التي تقوم, وترتكز وتراهن, على العمل السياسي, وإدارة الأزمات.
يُفترض اليوم, وقد كسب الجيش وخصوم جماعة الإخوان جولة رئيسية في الصراع ,أن تستعيد النخبة السياسية القدرة على المبادرة بما يمكنها من استعادة العملية السياسية, وتقليص هيمنة العسكر وحضورهم الطاغي والحاسم على السياسة المصرية تبدو الآن كرهينة للأزمة, التي تظهر كما لو أن مصر في حالة حرب مفتوحة مع جماعة الإخوان!
مشكلة جماعة الإخوان أنها بالغت في التهديد بالتطرف والعنف, حتى تحول التهديد الى خطر حقيقي قائم بذاته. لهذا هناك من يقول إن “الخضوع للإخوان هو الذي سيؤدي الى تصاعد العنف والإرهاب”, وليس المقولة الشائعة التي تقول: “إن استخدام العنف لاحتواء الإخوان سيؤدي الى تصاعد العنف والإرهاب”.
يبدو أثر ذلك واضحاً؛ إذ أن سياسيا متزنا كوحيد عبد المجيد قال, الأربعاء, إن “الاستجابة لرغبات جماعة الإخوان المسلمين, ستؤدي الى وضع رقبة الشعب المصري كله تحت سيف العنف والإرهاب, الذي سنضطر الى مواجهته في فترة لاحقة إذا خضعنا له اليوم”.
تتحول المبالغة في تقدير الذات الى حالة انكشاف قد تجعلك أسيراً لحالة من الهذيان الذاتي المتغذي على الأوهام المتضخمة. وأسوأ ما في المبالغة في تقدير الذات أنها تدمغك, إن استسلمت لها, بشخصية المقامر الأحمق, وتدفعك, عبر المكابرة, الى تقديم نفسك كشخصية مشوهة بالأكاذيب والزيف.
عن: الشارع

زر الذهاب إلى الأعلى