فضاء حر

بين الاستقالة والاقامة الجبرية

يمنات
الدستور اليمني لا يتضمن نصا يجرِم استقالة أي من شاغلي الوظائف العليا في الدولة.
لا يوجد – على حد معارفي المتواضعة – أي نص تشريعي، سماوي او وضعي، يعاقب المسؤول على استقالته من موقعه، مهما تكن دوافعه وأسبابه.
و في العالم المتحضر يحدث ان يستقيل الحاكم لغرض شخصي او حزبي، كأن يطيح بحلفاء في الحكومة او ينتهز متغيرات في المزاج العام لصالحه، فيستقيل بقصد العودة مجددا للحكم بشرعية اقوى.
و يحصل ان يستقيل رئيس حكومة في نظام سياسي برلماني لغرض حزبي محض، كالخوض في تحالفات سياسية جديدة تغير موازين القوى داخل البرلمان.
في الحالات جميعا يتولى الشعب الحكم على سلوك هذا الحاكم وذيّاك الحزب من خلال التصويت في الانتخابات.
لا يحدث ان يستقيل مسؤول فتسارع جماعة تقول أنها انجزت ثورة، إلى وضعه تحت الإقامة الجبرية، إلا في “يمن” ما بعد ثورة الحوثيين!
***
استرعى اهتمامي قبل قليل احد اعضاء المكتب السياسي للحوثيين وهو يكرر، في تصريحات لقناة الجزيرة، بأن الجماعة هي من يقيم دولة القانون منذ سبتمبر الماضي. ولم يجد هذا القيادي ما يسعفه على الرد على سؤال للمذيع عما إذا كان هذا التنفيذ للقانون يشمل حبس رئيس الحكومة خالد بحاح في منزله!
***
بالأمس أفرج الحوثيون عن سام الأحمر بعد اعتقاله لمدة تتجاوز ال3 أشهر، ومحاولة تلطيخ سمعته عبر تسريبات خطيرة واعترافات مفبركة تجزم انه من خطط ونفذ عمليات اغتيال لشخصيات سياسية بارزة في اليمن.
أفرجوا عنه اخيرا.
لأنهم لم يجدوا دليلا، او حتى قرينة، على الادعاءات التي بررت خطفه ثم اخفاءه قسريا، ثم حرمانه من الزيارة في معتقل بالعاصمة.
والشاهد أن القانون هو الضحية الأولى مكرر لما لحق بالشيخ سام الأحمر وأسرته. والقانون كان المحبوس احتياطيا في المنطقة الامنية الغربية بالعاصمة.
أفرجوا عنه. وبقي أن يعتذروا عما بدر منهم، والاعتذار هنا له معنى رمزي لا يجبر الضرر بقدر ما هو إشارة على أن قيادات الجماعة التي تغرقنا باليقينيات في خطابها السياسي، تتمتع بالحس النقدي ولديها النية على مراجعة أساليبها الفاشية المعتمدة ضد من تقوم بتعيينهم ك”خصوم” و”آخرين” و”خارجيين” أو “خوارج”!
التطورات الحاصلة في اليمن منذ أسابيع خطيرة للغاية. والمرجح ان سيطرة الحوثيين على العاصمة ومحافظات يمنية أخرى لن تستمر في ظل وجود مركز الشرعية في مدينة عدن (مؤقتا). ومغادرة الرئيس هادي، ثم وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، للعاصمة قلب موازين القوة، بمعناها الشامل، لصالح الرئيس هادي وحلفائه. هذا يلزم الجماعة بأن تغير في منهجيتها في التعامل مع الشركاء والخصوم و”الشياطين”! أن تبادر على سبيل المثال إلى إنهاء الحالة غير القانونية المفروضة على رئيس الوزراء خالد بحاح. بالقانون وبالأخلاق، وبالمصلحة أيضا، فإن قيادة الجماعة مطالبة بإنهاء الانتهاك الخطير المفروض على مواطن يمني دُعي إلى تحمل المسؤولية في ظرف يمني استثنائي، فوافق. وعندما وجد أن المسؤولية تلزمه بالاستقالة استقال.
ما هي جريمته في الحالتين؟
ما هو التوصيف القانوني لفعل الاستقالة ليكون مبررا لسلب حريته والتضييق على أسرته في قلب العاصمة السياسية والتاريخية لليمن؟
هناك افعال مشينة تتورط بها جماعة “انصار الله”. هناك فظاعات ارتكبتها منذ سبتمبر الماضي. لكن السياسة أدوار واطوار، والأيام دولة بين اليمنيين، والقوة نسبية، وقياسها عرضة للتبدل في “يمن” دوّار داخل اقليم تعصف به الطائفية، وعالم يدير ظهره سريعا للصغار الذين يصيرون بيادق في رقعة الشطرنج الكبرى.
من يسمون أنفسهم “أنصار الله” ليسوا ملائكة. ليسوا شياطين. بل يمنيون يحملون مظلمة ويعتنقون أحلاما ويتحزمون سلاحا. وهم جزء أصيل من نسيج هذا “اليمن” العريق لكن المعذب، السعيد الغارق في الحزن والجوع والدم. هذا بلدهم مثلما هو بلد الآخرين الذين ينكلون بهم ويروعونهم ويفرضون عليهم قانون القوة، قوتهم هم، قوتهم المعرضة للتآكل بانصرام الأيام والأسابيع والشهور.
هذا ليس مقام النصح.
ولا هو درس في الاخلاق.
لا. ولا هو مدخل إلى استرضاء جماعة مسلحة.
لكنما هو “اليمن” الذي يقول قادة الجماعة انهم يذودون عن سيادته، ويرطنون باسم كرامة ابنائه، ويطنطنون بإنجازات عظيمة لمسيرتهم “القرآنية” و”الثورية” ومنها “إرساء مداميك دولة القانون”.
القانون الذي يعرفه أغلب اليمنيين تحت الإقامة الجبرية غالبا. وأحيانا يتعرض للتعذيب حتى الموت! ولو أراد الحوثيون حماية انفسهم لبدأوا بحماية حقوق الآخرين واحترام مركزهم القانوني، والامتناع عن فعل كل ما من شأنه المساس بكرامة أي يمني.
مصلحة اليمنيين أن تفرض عليهم إقامة جبرية في دولة المواطنة وسيادة القانون، لا أن يتعاقبون، فوجا تلو آخر، على ممارسة الانتهاكات باسم الوحدة والثورة و”الشعب اليمني العظيم”!
مصلحة الحوثيين، الحالّة والحيوية، ان يبادروا إلى إنهاء اجراءاتهم المشينة المفروضة على رئيس الحكومة، وتدارك كل المخاطر المترتبة على سلوكهم العدواني ضد اليمنيين، حكومة و”شعب يمني عظيم”!
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى