فضاء حر

الحاضنة والطريدة .. قراءة في أداء السياسة الأمريكية في مواجهة الإرهاب

يمنات

هل السياسة الأمريكية في مواجهة الإرهاب تصاغ على نحو استراتيجي؟ هل لدى الأمريكيون القدرة على التنبؤ بنتائج أعمالهم؟ هل قراءتهم للمؤشرات المحلية في بعض دول المنطقة قراءة صحيحة؟ إذا كانت الإجابة على هذه التساؤلات بالإيجاب فكيف نفسر إخفاقهم في التخطيط للآثار والنتائج السلبية الناجمة عن سياستهم لدعم قوى الإسلام السياسي إبان الحرب الباردة؟ وكيف نفسر إخفاقهم في التنبؤ بالمسار الذي ستسير فيه جماعات العنف الديني؟ وكيف نفسر إخفاقهم في قراءة المؤشرات التعليمية والثقافية والسياسية في بعض دول المنطقة التي فرخت ولا زالت تفرخ الجماعات الدينية؟ وكيف يزدهر الإرهاب في ذروة الحرب عليه؟ أين هي المؤسسات الرسمية الأمريكية بما فيها الخارجية والاستخبارات؟ وأين كانت مراكز الأبحاث والجامعات والمؤسسات المتخصصة في رصد وقراءة ظاهرة الإسلام السياسي؟ هل كانت في سبات فلم تفلح في قراءة مثل هذه الظاهرة؟ أم أن هناك حلقة مفقودة في آلية صنع القرار السياسي الأمريكي؟ أياً كانت الإجابة على هذه التساؤلات فالسؤال الملح الآن هو كيف يمكن التعامل مع عنف الجماعات الدينية؟ وما هي السياسة التي يمكن للولايات المتحدة أن تنتهجها تجاه هذه الجماعات؟ هل ستكون هذه السياسة أحادية الجانب تتمثل في ضرب وملاحقة هذه القوى أينما وجدت والتضييق على الأنظمة التي تأويها؟ هل الملاحقة الأمنية والضغوط السياسية وحدها كافية؟

إن أي استراتيجية فاعلة للتعامل مع هذه المشكلة لا بد أن تسلك عدة أبعاد أولاها إعادة النظر في فعالية مؤسسات جمع وبلورة وتصعيد المعلومات داخل المؤسسة الرسمية الأمريكية ونقاط التمفصل بين آلية صنع القرار السياسي والمؤسسات البحثية والأكاديمية التي تقوم برصد وبحث وتمحيص هذه الظاهرة.

يلي ذلك حل المشاكل العالقة في المنطقة ووضع حد لعنف الدولة وهيمنتها الذي تقوم به الولايات المتحدة، ثم إقامة شبكة من التحالفات الدولية والإقليمية لمحاصرة وضرب هذه القوى وهو ما برعت الولايات المتحدة في القيام به.

ورغم كل ذلك فإن اثر هذا سيظل محدوداً، إذا ظلت آلة تفريخ العنف الديني قائمة وتعمل بوتيرة منتظمة وهي المؤسسات التعليمية التقليدية في دول المنطقة، والقائمة على تصورات ومفاهيم خارج نطاق العصر، قوامها إثارة الأحقاد والكراهية بين الشعوب ورفع جدار العزلة والعداء فيما بينها، إن هذه الآلة هي التي تولد العنف وحل المشكلة يبدأ من هنا وليس من أي مكان آخر، وعليه فإذا كان الأمريكيون يفكرون على نحو استراتيجي فلا بد لهم من استهداف هذه الآلة بالوسائل التالية:

1-تكثيف الضغوط على الأنظمة المولدة والحاضنة لتيارات العنف الديني بضرورة إعادة صياغة وهيكلة مؤسساتها ومناهجها التعليمية وتنقية المناهج الدراسية من المفاهيم والرؤى والتصورات المحفزة للعداوة بين الشعوب والأمم من منطلقات دينية، ويمكن لليونسكو أن تلعب دوراً في هذا الميدان.

2- مساعدة هذه الدول مالياً وفنياً لبناء مؤسسات تعليمية وثقافية عصرية تستمد فلسفتها من روح العصر ومن الحقائق العلمية اليقينية والثابتة.

3- دعم المؤسسات العلمية والتعليمية والثقافية ذات المنزع العلمي بهدف خلق شرائح اجتماعية متنامية في هذه الدول تستطيع موازنة ومن ثم تنحية قوى وشرائح وعناصر العنف المحفز ميتافيزيقياً.

4- إيجاد مؤسسات علمية رائدة في هذه الدول تستطيع بكفاءتها وفعاليتها أن تشكل نماذج يُحتذى بها من قبل بقية المؤسسات التعليمية.

5- دعم القوى والفعاليات السياسية ذات المنزع العلماني بهدف خلق توازن داخل آلية صنع القرار وداخل تلك المجتمعات في تلك الدول.

إن الآلة المؤسسية التعليمية في المنطقة هي مكمن الداء وأي حل ناجح وناجع لمشكلة الارهاب لا بد أن يبدأ من هذه الآلة بتفكيكها وإقامة وتشييد البديل لها، وأي حلول تتجاهل هذه الحقيقة لا بد أن تكون حلولاً مبتورة قاصرة ولا تصل إلى لب وجوهر المشكل. إن أزمة الولايات المتحدة وأزمة دول المنطقة ستظل قائمة ما لم تُوقف آلة توليد العنف عن الدوران. هنا وهنا فقط جوهر المشكل ومربط الفرس، وما عداه مجرد تفاصيل. إن سياسة الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب تشبه من يقوم بملاحقة كل بعوضة على حدة بهدف قتلها، بينما البركة الحاضنة التي تولد البعوض لا تتعرض لها لا من قريب ولا من بعيد، إنها سياسة تبرع في ملاحقة واستهداف الطريدة بأحدث وسائل التكنولوجيا، لكن لب المشكل أنها لا تعرف أين هو الوكر الذي يفرخ الطرائد ولا تفكر في وجوده. ولذلك لا أستغرب أن تعود القاعدة إلى أوج قوتها بعد ثلاثة عشر عاماً من إعلان الحرب عليها. إنه لمن المضحك والمخزي أن تقوم سياسة دولة عظمى بالتعامل مع مشكل الإرهاب بمثل هذه الدرجة من السطحية.

إن ما أتناوله اليوم هو ما سبق أن حذرت منه وتناولته بالشرح والتحليل عام 2001م عبر صفحات جريدة الثوري.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى