فضاء حر

عن خطورة محاولات إعادة تعريف الهوية الوطنية لتعز

يمنات
جريمة قتل الدكتور فيصل سعيد المخلافي مدانة، ويجب ضد مرتكبيها، وإحالتهم للقضاء، بيد أن هذه الجريمة لا تُبرر مهاجمة مسلحون لمنازل في مدينة تعز دون مبرر غير الانتمائهم المناطقي، أو الأسري، الذي يُعتقد أنه يجمع أصحابها بمنفذي الجريمة.
وإذا ما تم بالفعل مهاجمة منازل في تعز على ذمة هذه الجريمة؛ فهذا تعبير عن عملية بعث التعبيرات غير الوطنية للجهويات الضيقة والمريضة، التي تُحاول إغراق اليمن في وحلها الآسن والقذر.
كان يُفترض أن تبقى جريمة قتل الدكتور فيصل ضمن تعريفها الإنساني والقانوني المباشر، غير أنه تم دفعها نحو سياق آخر قائم على اصطفاف جهوي أعاد تعريف ما جرى ليس باعتباره جريمة قتل تقتضي من الجهات الرسمية القبض على المجرمين ومحاسبتهم عبر القضاء، بل باعتبارها حالة استقطاب مناطقية أسوأ ما فيها أنها تدفع تعز إلى إعادة تعريف هويتها الوطنية الواسعة، وتقزيمها إلى تعبير مناطقي عصبوي ضيق.
تكمن خطورة هذا الأمر في أن التدمير الحثيث الذي جرى، ويجري، للهوية الوطنية، خلق واهمين كُثر في تعز أصبحوا لا يرون إمكانية لتجاوز حالة الاستضعاف التاريخية، ذات النزعات المناطقية والطائفية، إلا عبر الاصطفاف خلف عصبوية محلية لا تنظر للأفراد القادمين من التكوينات الوطنية الواقعة ضمن مناطق الهيمنة في الشمال إلا باعتبارهم آخر يجب مواجهة غطرستهم المفترضة عبر إعادة تعريف لهوية تعز ووجودها الوطني؛ بأدواته وتعبيراته المدنية. هذا يعني دفع تعز، قسراً، نحو التخلي عن مهمة تفقيس العمال والتجار والمتعلمين، والتحول إلى إنتاج تعبيرات وأدوات عنف عصبوي يُمكنه مواجهة نقيضه القادم من “مطلع”!
خلال الفترة الماضية؛ حاولت مراكز القوى المتحكمة بالعاصمة صنعاء، وباليمن بشكل عام، ضرب مدنية تعز، وبالتالي هويتها الوطنية التي ظلت، طوال العقود الماضية، تتجاوز التعبيرات العصبوية غير الوطنية. وعندما قامت ثورة الشباب في فبراير 2011؛ تأكد حضور تعز باعتبارها الحامل الموضوعي والاجتماعي الأصيل للحركة الوطنية. وقد ظهرت الثورة كما لو أنها تعبيراً عن هوية تعز المطلبية والمدنية، وليس الجغرافية والبيلوجية؛ ذلك أن تعز تمكنت من تكريس حضورها الوطني باعتباره تجسيداً للهوية الوطنية المقصية من قبل النظام المناطقي، الذي عمل على تدمير اليمن كهوية وكبشر.
بعد ثورة الشباب؛ أدركت مراكز القوى المتحكمة في صنعاء القوة الحقيقية لتعز ليس باعتبارها كتلة بشرية ضخمة، بل باعتبارها رافعة للمشروع الوطني، وتعبير أصيل عنه. لهذا؛ عملت مركز القوى هذه على تجريد تعز من تميزها المدني ذي الطابع الوطني، فجرى دفعها نحو التعبير عن نفسها عبر أدوات جديدة: عصبوية العنف المناطقية.
تقف تعز اليوم أمام منعطف تاريخي يُحاول إعادة تعريف هويتها الوطنية لاستبدالها بهوية عصبوية مناطقية ضيقة تُجردها من امتيازها التاريخي، ويدخلها في عملية تطبيع تُعيد تعريفها، وتشكيلها، وفقاً لمصالح وتوجهات مراكز القوى المتحكمة في صنعاء.
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى