فضاء حر

مساجد لا جبهات

يمنات
مجتمعانا هو مجتمع اسلامي ولكنه ليس مجتمع من الملائكة , وحاله هو حال غيره من المجتمعات في حصول الخلافات والمشكلات فيما بين مكوناته افرادا وجماعات , وما يجب ان يتميز به مجتمعنا باعتباره مجتمع مسلم عن غيره هو انضباطه في حياته بشكل عام وعند خلافاته بشكل خاص بمجموعة القيم التي تجعل منه مجتمع اكثر قدرة على التعايش والسلام من غيره .
عندما تحصل الخلافات و التنافرات و التخاصمات وحتى التقاتلات ما يحتاجه المجتمع هو التدخل بالإصلاح و العمل على تهدئة النفوس وجمع الشعث , وهذا الامر لا يتأتى الا بتذكير بالله عز وجل وبدينه و بالأخرة التي يؤمن الجميع ان عواقب الاعمال ستكون فيها عقابا او ثوابا , وهذا التدخل هو الذي يجعل الجميع يراجع نفسه فيقيّم تصرفاته ويصلحها ويعاير مواقفه ويعدلها وذلك وفقا لمنظومة القيّم التي سيتحدد وفقها عواقب التصرفات والمواقف .
هذه القّيم التي يجب ان تحكم تصرفات الجميع ومواقفهم منها الرحمة , الامانة , العدل , الصدق الكرم , بر الوالدين , حسن الجوار , الاحسان , التعاون , فعل الخير , التناصح , التسامح ….. وغيرها مما يفترض ان يتعايش المجتمع وفقها اذا اراد ان يضل مجتمعا واحدا متماسكا و مستفيدا من طاقاته وقدراته .
بيوت الله عز وجل هي ملتقى المسلمين من ابناء المجتمع على اختلافاتهم ايا كانت , وهي المكان الطبيعي لان يتلقوا فيه دعوات الاصلاح والتعايش وخوف الله عز وجل ومراقبته والتحذير من عقابه والترغيب في ثوابه , وهي المكان الطبيعي لان يجدوا فيها دروس التذكير بمنظومة القيّم التي يجب ان تحكم التصرفات والمواقف تجاه الله عز وجل وتجاه الاخر وتجاه الكون وتجاه النفس .
منظومة القيّم كانت هي مواضيع خطب الجمعة وغيرها من المواعظ التي تلقى على اسماع المصلين في المساجد في ما مضى , وكان كل خطيب يخصص كل جمعة او موعظة لقيمة من القيم فيتفنن في عرضها وتذكير الناس بها وحثهم على امتثالها , وكان الكثير يخرجون من المساجد وخصوصا من صلاة الجمعة ليصلحوا ما اخطئوا فيه ويعدلوا ما مالوا فيه , و وبذلك كانت المساجد تؤدي دورها السليم و المفترض بها تجاه افراد مجتمع المسلمين .
ما يتم حاليا في بيوت الله هو حال عكسي تماما فاغلب الخطباء يمارسون دورا في شحن المجتمع ضد بعضه ويحرضون فئة منه على اخرى بل ويدعون لقتال جماعة فيه لأخرى .
نزق وتهييج واستنفار واتهام وتشويه ولعن وتكفير وتفسيق وتشريك وتحشيد وتسعير , ندخل المساجد لنصلي فنجد خطيبا ” يلعلع ” الرافضة ,الشيعة , الاثنا عشرية , الحوثة , ونجد خطيبا ” يلعلع ” الوهابية , السلفية , التكفيريين , النواصب , و للأمانة اقول اصبحنا نحس اننا في دائرة التوجيه المعنوي ولسنا في بيت من بيوت الله عز وجل
على خطباء الجمعة ان يعوا ان المشكلة ليست في الشيعة ولا في السنة ولا في الاثنا عشرية ولا في الوهابية وليست في التنوعات ايا كانت , المشكلة في التصرفات والمواقف التي تصدر من اي من هولاء دون ان تكون منضبطة بالقّيم المطلوبة للتصرفات والمواقف الصادرة من كل منها تجاه الاخر , فلو التزم الجميع في تصرفاتهم ومواقفهم بالصدق والامانة والعدل والتناصح و و و فلن يكون هناك شيء من هذه المشاكل والويلات وما قد يظهر منها سيجد له العلاج وينتهي .
يا خطباء الجمع وغير الجمع اتقوا الله عز وجل وأدوا دوركم السليم و المفترض بكم كمذكرين للناس بما ينفعهم , افرغوا جهدكم في تذكير الناس بالقيّم التي كلما زاد حظ الناس منها فستصلح تصرفاتهم وتستقيم مواقفهم وستختفي اغلب هذه التوترات والويلات التي تعاني منها امتنا ومجتمعنا اليمني اليوم .
اسلوب التحريض والتحشيد والتسعير ونحوه مما يقوم به الكثير منكم اليوم هو اسلوب هدام ويحيل بيوت الله عز وجل الى ” مساجد ضرار ” يضّار فيها كل طرف من المجتمع بطرف اخر , وهي بخطابها الخاطئ هذا تسهم جوهريا في اذكاء المشكلات والصراعات التي نعاني منها والتي هي وليدة خلوا اذهان الناس من القيّم وانشغالها بقيّم الصراع والتنافر والتباعد , وهو خطاب لا يثمر الا فك روابط المجتمع وفصل لحمته .
ايه الخطباء ” وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ” صدق الله العلي العظيم , ليست المساجد لدعوة مقاتلين ولا دعوة ” مجاهدين ” ولا لدعوة اسود سنة ولا نمور شيعة , المساجد لله فدعوا فيها بدعوته واخطبوا فيها بقيم دينه , وارسوا في نفوس الناس مداميك التعايش والتسامح والتجاوز والتناصح وليس التنافر والخلاف والصراع والقتال , ايه الخطباء اتقوا الله في انفسكم وفي المجتمع .. ايه الخطباء انتم في منابر مساجد المسلمين ولستم في جبهات قتال .
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى