فضاء حر

أبي

تحسر وقال بأسى والدموع تتساقط من عينيه: "ما أحد يدري بقيمة أبوه إلا بعدما يموت، كان الضوء اللي بنشوف به الدنيا لما غاب أظلمت علينا، كان يهتم بكل شيء في حياتنا، ورغم أن معاشه محدود كان كل شيء منه بركة، ربانا وعلمنا وصرف علينا كلنا منه، وكان يصلح كل شيء دون أن ينتظر أحد منا، والله إني الآن أدور على التراب الذي كان يمشي عليه أبي..".

يقول آخر: تعرض ابني الصغير إلى حادث أثناء ما كان يلعب، فأسرعت به إلى المستشفى ودقات قلبي تتسارع، خوفا عليه من أي مضاعفات نزيف داخلي أو ما شابه، شعرت بحالة هلع شديدة أنستني العالم كله إلا ابني، لم أتوان عن فعل أي شيء من أجل إنقاذه.. شعرت حينها ماذا يعني أن تكون "أب".

أذكر أنني زمان قلت لأبي "سأجعل لك مصروف يومي كما كنت تفعل معي زمان وأنا صغير".. فلم أستطع أن أكمل شهراً واحداً بشكل يومي، لو قلت إنني طفرنت فتلك ليست حجة لأنه أيضا كان يدبر لي مصروفي ولو يتسلفها سلف، أما أنا فتسلفت منه المبلغ الذي استلمه مني طوال الشهر كمصروف يومي! كلما قلت تعوضه تحتاج إليه أكثر فأكثر، ليس فقط ماديا، بل روحيا ومعنويا، سواء أنت فقير أو غني، فأنت أفقر الناس إليه، يحمل همك طوال حياته، إذا أنت فارغ يحمل هم فرغتك، وإذا موظف يحمل هم وظيفتك، قلبه الكبير ظلك الظليل، ومستعد يتحدى من أجلك المستحيل، يحب من يحبك ويكره من يكرهك، لا يتعب معك لكي تعوضه، ولن تستطيع ولو بذلت له الدنيا بأكملها.

الأب يرى نفسه في أولاده، وجودهم هو وجوده، يشقى ويتعب من أجلهم، مال وارثه أحب إليه من ماله، ما يحب أحد يكون أحسن منه إلا ولده.

أنا فدى لك يا أبي، وفدى للتراب الذي تمشي عليه، لا أشعر بلذة بعد لذة السجود لله سبحانه وتعالى إلا عندما أخفض لك ولأمي جناح الذل من الرحمة، وأقول ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا.

عطروا قلوبكم بالصلاة على النبي.

عن صحيفة"الأولى"

زر الذهاب إلى الأعلى