فضاء حر

مؤتمر الحوار .. مولد وصاحبه غائب

يمنات

على العكس من تصورات المراقبين اقليميا ودوليا بأن اليمنيين لايزالون في اطار تجمعاتهم ما قبل الدولة وان ارتباطاتهم بالحداثة لايأتي الا من خلال قشور شكلية ومظهرية لم تمتد بعد الى جوهر البنية الاجتماعية ومنظومتها الثقافية والرمزية وهو تصور واقعي مع الاخذ بعين الاعتبار حدوث جملة من المتغيرات والتحولات بعضها حاول ملامسة بنية المجتمع وشخصيته العامة والبعض الآخر مادي واستهلاكي، ولأن البنى العصبوية لاتتقبل التغييرات الثقافية والقانونية التي ترتبط بمنطق الدولة فإنها تشكل معوقا اساسيا لمسار الحداثة وبناء الدولة ولوازمها الدستورية والقانونية والثقافية ومع كل ملامح التحول التي اصابت الافراد والمجتمع وشكل الدولة فإن واقع اليمن لايزال تقليديا (اشارة الى البنى العصبوية المناهضة للدولة)، ومن هنا فإن ثورة 11 فبراير ادهشت العالم بالاصطفاف المجتمعي وتضحيات الشباب وارتفاع سقف المطالب نحو الدولة المدنية.
مع العلم ان الثوار في ايامهم الاولى قد وضعوا صور كل القيادات المستهدفة من الثورة ومنها قيادات قبلية ودينية وعسكرية وحزبية ثم اختفت من ساحة التغيير وفق عمل منظم وابقت على صور الرئيس صالح ونجله واقاربه ومع جمعة الكرامة نزل بعض من تلك القيادات والرموز ووضعوا يدهم على الساحات وانحرفوا بمسارها بالتنسيق الكامل مع احزاب المشترك ومع حزب المؤتمر ورئيسه وقياداته فجميعهم شكلوا حكومة مشتركة وكان هدفهم الوحيد منطق المحاصصة والغنيمة ضد مصالح المجتمع واهداف الثورة وتضحيات الشهداء.
زد على ذلك اعتماد مبادرة وأدت الثورة نهائيا واكملت سرقة الثورة وكان المسار اللاحق مؤيدا اومكملا لمفهوم السرقة وهنا تكتمل الدائرة النهائية باعتماد مؤتمر تم الترتيب له من خلال اختيار ممثلين من بعض الفئات وفقا لمنطق التبعية لمراكز القوى وهنا يتم الاعلان عن بدء اعمال مؤتمر الحوار الذي اصبح محل اهتمام الميديا العالمية برمتها وهنا ايضا نكون ازاء مولد صاحبه غائب هذا المولد يصاحبه جلسة زار ودق الطبول حتى توحي للمشاهد والمراقب اننا ازاء عملية عقلانية والواقع اننا ازاء وعي زائف وعملية غسل مخ جماعي لاتستهدف الا تثبيت مراكز القوى في مواقعهم ومواقفهم وبالتالي اعادة انتاج الوضع السياسي الذي قامت الثورة ضده.. ولمزيد من الحبكة المسرحية تم تمثيل معارك الحصبة وكنتاكي استهدفت في بعدها الاول اعمال المزيد من القتل في الشباب والمدنيين وتخريب المنشأت الخاصة والعامة وتعميم الفوضى الامنية والعسكرية ورفع اسعار جميع السلع لمزيد من قهر المواطنين وفي البعد الثاني ايهام الشباب والساحات بانهم مدعومون ولهم سند وحماية ….
وللعلم فإن اليمنيين قد اعلن ذهابهم للحوار مرات عديدة وباعتماد نفس الاخراج المسرحي بدءا من عشرات المؤتمرات في حقبة الستينات من مؤتمر حرض والجند والشباب والشباب المعارض وعمران (هذا الاخير وصفه البردوني بالقول ان له قلب ابي ذر وعقل ابي جهل) وصولا الى مؤتمر جدة لعام 70 حيث المصالحة بين الجمهوريين والملكيين وهذا المؤتمر خرج بنتائج ضد مسار الثورة وتضحيات الشهداء وكان الطرف المناهض للثورة هو الرابح من هذا المؤتمر ..
ثم حوار بين السلطة والمعارضة في شمال اليمن تحقق للنظام فوائد جمة في حين استمر النظام في تعقب من تحاور معهم وتصفيتهم مع دعم وتمكين بعض القيادات الانتهازية … ثم حوارات بين الرفاق المتحاربين في الجنوب عقب احداث 86 وحوارات قبل عام 94 وما نجم عنها من حرب بمرجعية جهوية ضد الجنوب وقيام المنتصر بفرض ارادته السياسة في عموم البلاد بمعاونة حلفائه والكثير ممن باعوا انفسهم وضمائرهم. ثم حوارات فاشلة بين الحزب الحاكم والمعارضة بدأت 2006 وحتى عام 2009 ثم غاب الحوار حتى جاءت ثورة 11 فبراير العظيمة.
وجميع هذه الحوارات كانت الغلبة لمراكز القوى الممسكة بالسلطة وبالاستناد الى حلفائها في الداخل والخارج وفي جميع الحوارات لم ينجم عنها اي بناء للدولة ولا لتفعيل مؤسساتها القانونية والادارية بل كان الاصرار على تغييب مؤسسات الدولة والياتها القانونية ومعها غابت المواطنة المتساوية واصبحنا امام تمايز اجتماعي (طبقي) هنا تم استخدام مؤسسات الدولة الرخوة لدعم افراد ومجموعات لاقصاء اخرين فكانت الدولة اداة للثراء وللترقي الاجتماعي وكان على المواطنين اللجوء الى مراكز القوى من اجل التوسل اليهم من اجل تلبية مطالبهم المشروعة …
وفي كل الحوارات السابقة لم يكن للمجتمع اي تمثيل حقيقي بل مراكز القوى واتباعهم واقاربهم ومؤيديهم وازلامهم ومن يتم شراء صوته وولائه. والعطاء المالي للمتحاورين تمت الاشارة الواضحة له في مذكرات الشيخ سنان ابو لحوم ومذكرات الشيخ عبدالله الاحمر ناهيك عن الوثائق التي تم تسريبها من الدولة السعودية..
واليوم يتكرر المشهد حيث مؤتمر الحوار يغيب عنه كل اصحاب المصلحة في التغيير من الشباب المستقل والمفكرين والرموز الاكاديمية والطلاب والمرأة والعمال والفلاحين.. اما من اعلنت اسماؤهم من هذه الفئات فكانت بتزكية من قيادات الاحزاب ومراكز القوى لأنهم لايريدون اي صوت ناقد او يفكر او يتساءل بل يريدون جمع من المصفقين والمؤيدين باستمرار لكل الخطابات والمخرجات ايا كانت .. وهم يريدون اسكات الاخرين مثلما طالب ممثل الحكومة وامانة مؤتمر الحوار في الندوة الخاصة بالاعلام والحوار يوم الخميس الفائت فقد طالبا الاعلام بالتبعية لهم مع العلم ان كل وسائل الاعلام مملوكة لمراكز القوى المشاركة في المؤتمر وكان الاجدر بهما توجيه الطلب نحو قيادات تلك المراكز..
صفوة القول: اننا ازاء مولد (مؤتمر الحوار) يعتمد على جلسات زار بايقاع سريع تدخل الافراد في حالة غيبوبة كاملة وهي حالة سيكلوجية مصاحبة تماما لجلسات الزار وهي ايضا عملية يتم تحقيقها من خلال اكاذيب وحملات اعلامية وتزييف وعي مجتمعي شامل لصالح نخبة من مراكز القوى وهنا فقط يتأكد لنا صحة القول بغياب صاحب المولد مع حضور خصومه والمستفيدين من المائدة المجهزة للمولد وضيوفه؟.

' استاذ علم الاجتماع السياسي- اليمن

القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى