فضاء حر

عن حوار وطني محسوم رئاسياً!

يمنات

فشلت اللجنة الفنية في ضمان التهيئة للحوار الوطني, ورغم أن الصف الأول من قيادات الأحزاب كانت ممثله فيها, إلا أنها عجزت عن القيام بما هو ضروري, وهي الشريكة في الحكم, حين اصطدمت بإدارة الرئيس الذي قام بمقاومة هذه التهيئة, أو ربما تضطر لتحمل كلفة ذلك. وفي الأخير ذهب الجميع الى حوار مُجرد من التهيئة ضمن فكرة أن لا خيار سوى ذلك.

كانت اللجنة الفنية تمتلك فرصاً مهمة وحقيقية لفرض إرادتها على الرئيس لصالح هذه البلاد المتروكة لتخاذل الجميع, ولكنها تخلت عن ذلك لصالح تعزيز إرادته هو عليها وعلى مؤتمر الحوار تالياً, وتبوأ رئيس الجمهورية موقعه في رئاسة المؤتمر لضمان إنفاذ تقديره وقراراته كمرجع أخير في المؤتمر في حال الخلاف بين أعضائه, وعدم القدرة على الحسم فيما بينهم, ووفق اللائحة الداخلية, التي لم يمتلك أعضاء المؤتمر الحق في رفضها أو إقراراها, فكيف الحال بقضايا أهم ستوضع في المؤتمر, يتم إقرار القضايا بنسبة 90% في إطار مجموعات العمل, لتنخفض الى 75% في إطار فريق التوفيق في حال عجز المجموعات, وأخيراً يذهب الأمر الى قرار فرد وحيد هو الرئيس, في حال فشل فريق التوفيق! وهكذا يصبح المصير الوطني معلقاً ورهينة لتقدير وسلطة فرد واحداً أيا تكن قيمته واستثنائيته وتقديرنا له. يتم تبرير ذلك بأنه ضروري للحسم في الأمر حين تشتد الخلافات, وهذ فكرة مقبولة, خصوصا وأن التوتر وأسباب الاحتقان وملامحه الواضح في اليمن هي التي انطلق المؤتمر في إطارها, ولأنه لم تتم تهيئة بيئة حوار تكفل خفض أسباب هذا الاحتقان الوطني, بما يكفل إعادة إنتاج أطراف السياسة في اليمن على طاولة الحوارات بتشنج أقل يتيح الفرصة للاتفاق والتفاهم في ما بينهم, وهو ما كان يجب ضمانه قبل الحوار من قبل اللجنة الفنية, وقاومه الرئيس كما يبدو, مدركاً أن هذا هو فقط ما سيتيح له التحكم في كل شيء في الأخير.

لن يشكل الحسم الرئاسي لقرارات المؤتمر إلا إعادة إنتاج لمناخ الاستبعاد السياسي للشركاء الوطنيين, حيث ستجد تقديرات ومشاريع الأطراف المختلفة نفسها عُرضة لقرار وحيد هو الناهي في الأمر, دون أن يضطر صاحبه للتشاور معها بخصوصه, أو لتبرير حيثياته لها مادام قد خول منها بالأساس هذا الحق المُطلق, ولم تستطع الاعتراض عليه في نظام داخلي مفروض سلفاً عليها! وبالتأكيد لن يبدو كل هذا في الأخير مناخ حوار وطني يبني الشراكة السياسية الواسعة بين المختلفين, بل سيعيد تأكيد الإحساس بالتهميش والإقصاء لدى أطراف لم تتعافَ منه في مراحل سابقة بكل حمولات ذلك التي ستنعكس بمزيد من الانفجارات السياسية والميدانية في بلاد يتم التواطؤ عليها من الجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى