فضاء حر

الطغيان وهشاشة البنية المجمعية

يمنات

لم تتمكن تجليات الروح المتسامحة والعقلية الحضارية المنفتحة التي ظهرت في التاريخ الاسلامي عند بعض حركات التنوير العقلي.

من التغلب والانتصار على روح الملك العضوض ومشروع الدولة القبيلة التي كانت على ما ظهر لاحقاً أحداث وتواريخ ومشاكل وتحديات عصفت الاسلام والمسلمين، متأصلة في النفوس والارواح وعصية على التغير والاصلاح الحقيقي والتي مثلتها كثير من زعامات الحكم الاسلامي على طول سيرة التاريخ وعقلية التغلب والغضب في عالمنا العربي والاسلامي.

وما زالت مستمرة بصورة واشكال شتى حتى عصرنا الراهن ونحن كمثال لذلك فكثير من المنجزات (العظيمة!!) نذكر منها: بناء دولة الفرد وليس دولة الامة والعمل على احداث قطعية شبه كاملة بين الدولة والمجتمع ككل الأمر الذي حول الدولة في تأمين متطلبات وجودها واستمرارها بعد أن فشلت في مجرد التحول استجابة لتغيرات الواقع الى دولة مواطنيها الاحرار الشرفاء بل بقيت- بالنظر لبنيتها المؤسساتية الهشة- عاجزة كلياً عن إقامة دولة العدل والمؤسسات والدستور. أي أنها لا تزال دولة منفصلة كلياً عن ساحة الفعل والإبداع والانتاج والتشارك الحضاري والدليل على ذلك انتشار مختلف مظاهر الاهتزاز السياسي والاقتصادي والاخلاقي الواسع في مجتمعنا وكثير من مجتمعات دولنا العربية. نتيجة هيمنة واقع الحطام واليأس وانسداد أفاق الاصلاح ونفاذ الطاقات. وتعاظم المشاكل واشتداد التوترات وضعف أمكانية التقدم والتراكم الأمر الذي أدى الى استمرار المشكلات البنيوية وبقاء الازمات وتنامي آلية العنف المادي والرمزي.

عجز الدولة عن إقامة علاقات قانونية وطبيعية متوازنة مع الناس وعموم الجماهير الواسعة المستبعدة والموجودة خارج السلطة او الحكم.

وقد قاد هذا النزاع السلطوي المجنون للنخب الحاكمة في رغبتها العارمة البقاء في البقاء في الحكم واستمراريتها على رأس السلطة وتحكمها بمفاصل القرار من أقصاه الى أقصاه.

والسؤال المطروح الآن: طالما ان ممكنات التغيير قد يكون صعباً وشبه معقد, أليس من الأجدى والاكثر فائدة الاشتغال على بناء ثقافة ووعي وطني حقيقي المسؤول بين الناس وإعادة الاعتبار لمفهوم حب الوطن وتعميق الحس الوطني المسؤول بين الناس قبل النخب الحاكمة, فالناس تغيرت سلباً من حيث طبيعة استجابتها للعمل الوطني وأصبحت – نتيجة هيمنة قرون طويلة من الاستبداد السياسي والارتباط الحي بمعايير الفعل الوطني. وبالتالي غير قادرة على إحداث أي تأثير في السياسيات القائمة والمطروحة والمفروضة عليها التي تخصها وبالتالي فالنخب الحاكمة هي ليست حزينة على ضياع مجتمعاتها وبقائها في حالة اللامستقبل واللاوعي لأنها مستفيدة من بقاء هكذا امور لما ماهي عليه.

ومن هنا تأتي مسؤولية المثقف في أن يقوم بدور حامل المصباح الدال به على طريق الخلاص الفردي والجماعي وذلك من خلال عمله على تنوير الرأي العام بكل ما من شأنه أن يساهم في بناء الوعي الفعال لدى أفراد الأمة لمواجهة وإسقاط ثقافة القطيع والامعية وتفكيك العقليات القبلية التي تسببت في تفشيل التنمية والتقدم وتصحيح المفاهيم الخاطئة المتداولة عن السلطة وتوزيع الثروة والأموال, والمساهمة الفعالة في تمكين الأمة من ممارسة حق النقد البناء ومواجهة محاولات تزييف الوعي الفعال بالحياة والواقع.

بهذا الوعي يمكن بناء نهضة حقيقية تسعى الى التنوير وتنبثق من خلال وجود رؤى فكرية للواقع القائم مع أفعال وإجراءات ميدانية لاستدراك سلبياته وبناء مواقعه المستقبلية والمثقف هنا تكون وظيفته مثل الطبيب (طبيب حضارات) وعليه واجب تشخيص العلة وهي واضحة ومكشوفة كما أسلفنا سابقاً.

يمكن التعبير عنها مجدداً من حيث أنها أزمة ثقافية ومعرفية بامتياز قبل أن تكون أي شيء أخر.

وبمقدار ما يكون تشخيص أسباب المرض عميقاً وصحيحاً بمقدار ما يكون وصف الرواد المناسب سهلاً وناجحاً وبمقدار ما يكون الشفاء منه أمراً ممكناً.

زر الذهاب إلى الأعلى