فضاء حر

ورطة الثورة في معركة كسر العظم بين الإخوان والعسكر!

يمنات
معركة كسر العظم التي تشهد فصولها المتسارعة المدن والقرى والنجوع المصرية بين جماعة الإخوان المسلمين وقوات الجيش والشرطة بعد عملية فض اعتصامي “رابعة العدوية” في القاهرة وميدان “نهضة مصر” في الجيزة تختزل تنازعات السلطة بين الجماعة والعسكر, فالسلطة التي فقدها الإخوان (بعد عام واحد من تسلمها بفوز مرشحهم محمد مرسي بفارق ضئيل عن (مرشح العسكر) احمد شفيق في يونيو2012م), يحاول الإمساك بها العسكر مرة أخرى (بعد عام من تسليمها لرئيس مدني منتخب بعد ستين سنة من حكمهم) مستفيدين من صوت قوي ومؤثر في الشارع (انتجته ثورة الثلاثين من يونيو) يغريهم بها, بل ويترجاهم الإمساك بها (هذا الصوت خليط من قوى سياسية واجتماعية ودينية اصطفت في الطرف الآخر من الإخوان وحلفائهم).
ولأن المؤسسة العسكرية في مصر لم تزل تحظى بتقدير خاص في من أغلب مكونات المجتمع المصري السياسية والاجتماعية, هي من وجهة نظر هؤلاء (المستنجدين) وحدها القادرة على مواجهة وتفويض الجماعة, التي يرون فيها خطرا داهما على المجتمع وتماسكه, وقد عمدت (حسب هذه الوجهة) طيلة عام حكمها الى الاستماتة في محاولة صبغ الدولة بلونها, وأولى خطواتها في ذلك تمثلت في تمكن أعضائها من أهل الثقة الإمساك بمواقع حساسة في بنية الدولة (العميقة التي يخشى الآن من تفككها جراء الانقسام الشديد) تمهيداً لجعل الوظيفة العامة بتراتبها الدنوي العلوي احتكاراً حزبياً, ومحطة لاستجلاب الولاءات, في دولة لم تنظر طويلا الى الوظيفة بوصفها أداة لتعظيم الولاءات السياسية, ولهذا كان تضخم الجهاز الإداري للدولة بركامه الوظيفي من كل لوزن وطائفة والمتعاظم لعقود سبباً في ترهل الدولة وبيروقراطيتها المعتقة.
المؤسسة العسكرية (من وجهة النظر ذاتها) هي الوحيدة التي استعصمت على الإخوان (وإلى جانبها ربما المؤسسة القضائية) وقد حاولت الجماعة طيلة عام تحييدها عن حراك الشارع وفي سبيل ذلك عمدت الى تعطيل كل دعوات الحوار, التي كانت توجهها قيادة الجيش لتقريب وجهات النظر بين فرقاء العملية السياسية في الشارع المحتقن, وعلى وجه الخصوص تلمك التي وجهها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح السيسي على خلفية انقسام الشارع في قضية الاستفتاء على الدستور ودعوته الثانية قبل مهلته التحذيرية الشهيرة, في الأول من يوليو, والتي أفضت الى عملية الإزاحة لرئيس مؤسي في الثالث من يوليو, بعد انقضاء الساعات الثماني والأربعين التي حددها لجميع الأطراف من اجل حل الأزمة, أ, الذهاب الى خارطة مستقبل, وهو الذي صار فيما بعد لتدخل مصر حالة من الانقسام المضاعف والاستقطاب الحاد والذي يمثل أحد أطرافها جماعة الإخوان بتحالفاتها الواسعة مع أحزاب وتيارات وجماعات قبل ذلك قد حاولت استرضاء المؤسسة العسكرية, من خلال الإبقاء على امتيازاتها في الدستور (الإشكالي) من أجل تقوية وتعظيم هذا التحييد, لاستشعارها أن الجيش لم يضعف أو يلين بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير, على العكس من المؤسسة الأمنية والشرطية سالتي استطاعت الجماعة وحلفاؤها تصفية كشف حساب طويل معها ابتدأ من يوم 28 يناير 2011م.
إذن نحن أمام تعارضات وتقاطعات شديدة للمصالح, بين أكثر جهتين تنظيماً وقوة في مصر, وممكنات العنف, في تكوينهما حاضرة, لهذا فمعركة كسر العظم التي نشهدها لا بد أن تخلف ضحايا (أكثر مما شاهدناه خلال الأيام الماضية التي اعقبت عملية فض الاعتصامات يوم الأربعاء 14 أغسطس), من حطب المعركة الحقيقيين ونقصد اولئك التابعين الضعفاء الموعودين بجبان الدنيا والآخرة, والمنساقين خلف خطاب تعبوي فاضح, ينقاد بنبرته التحريضية أولئك الأتباع المؤمنين بأحقية كل طرف من أطراف النزاع في السلطة.
لكن لا يفوتنا القول إن كلتا القوتين لها مصالحها الاقتصادية والسياسية على الأرض وأن تصاعد حدة الصدام غير المسيطر عليه بينهما سيعرض هذه المصالح للخطر مستقبلا لهذا نتوقع أن تعمل كلتاهما على تهدئه اللعبة الدموية بينهما متى وصلتا الى قناعة أكيدة بأن شروط التفاوض المقبولة عند كل طرف قد تسمح بالدخول في صفقة سياسية, برعاية خارجية غالباً, تشرف على خروج الطرفين من ورطة التنازع على السلطة في أكبر بلد في الشرق الأوسط وأكثرها تأثيرا, وعمقاً فلا الجيش يستطيع الاستئثار الصريح بالحكم بذات الأدوات القديمة, التي توكأ عليها طيلة ستة عقود (منذ انقلابه على آخر ملوك مصر فاروق ابن فؤاد الأول في يوليو 1952) ولا الجماعة تستطيع استرداد حكم تبكية بمرارة الاعتباط لم تستطع الحفاظ عليه بحسن الإدارة التدبير والشراكة مع قوى ثورة الخامس والعشرين من يناير (بمكوناتها المدنية) التي هي من وجهة نظري أكبر الخاسرين, من معركة كسر العظم هذه, أو من أي صفقة مستقبلية قد يذهب إليها الإخوان والعسكر, لتبقى البلاد تحت رحمة القوى التقليدية المحافظة, التي خرج لإزاحتها شباب مصر في يناير 2011, وهذا ما سنحاول مقاربته في سياق متصل بهذا الموضوع في قادم الأيام.
عن: الشارع

زر الذهاب إلى الأعلى