فضاء حر

فانتازيا المشهد السياسي في اليمن ..

يمنات

د. فؤاد الصلاحي

منذ خمسين عاما ولايزال المنظور الفنتازي سمة لطبيعة ذلك المشهد في تحولاته وتفاعلاته باتجاه البناء الحداثي للدولة تارة وتعطيل مؤسساتها والياتها بل وتعطيل الابعاد الجيو استراتيجية للمكان -الجغرافا اليمنية – تارة اخرى .. وفق رؤى بائسة لاتدرك قيمة المكان ولا ممكنات الاستفادة منه سياسيا وفق نمط جديد من العلاقات مع الخارج ..

ولان النخب السياسية والحزبية وحلفائها من الجماعات القبلية والتجارية لهم اولويات مغايرة لاولويات الوطن والدولة ..

من هنا كان الاقتراب والابتعاد من مشاريع البناء الحداثي يشبه مسرح يعزز من التخيل الفردي والجماعي اكثر من كونه يعزز منظورات الواقع وان كانت غائمة ودونما وضوح في الممارسات والخطاب والتوجهات ..

هكذا دافع المناظلون عن الثورة حتى انتصارها فتتالت الانقلابات واحد تلو الاخر بالانتقاص من مرحلة التاسيس (مرحلة الثورة وبناء الدولة الحديثة ) وكان الحديث عن انقلابات رجعية واخرى تصحيحية في كلا الشطرين جميعها ادخلت البلاد والمجتمع في حالة من اللاتوازن تمكنت معها القوى التقلدية من مزاحمة الرموز المدنية والوطنية وناصبتها العداء ..فكان انقلاب اخر جاء معه مسار يعزز التفاؤل في بناء الدولة وخلق علاقات صحية بينها والمواطن بل والعامة من الناس سرعان ما ظهرت ملامح الفنتازيا من خلال مأساة لانقلاب اخر دفع البلاد الى آتون مسار تحكت به الجماعات التقليدية وفق منظورها البائس عدا تمكنها من استملاك الثروة العامة التي تشكلت معها طبقة ثرية جاءت من قاع المجتمع وبعض رموزها وان كانت لهم مكانة اجتماعية فكانوا اقتصاديا في اقل موضع ..

مشهد متحرك فيه تحولات نحو الدولة ثم الوحدة ثم التعددية السياسية والحزبية ثم انتفاضة شعبية لم تكتمل سرعان ماتم استملاك مسارها وخطابها من الجماعات التقليدية ومعهم ديكور حزبي للتجمييل لان مكوناته اظهرت فقرا في الفكر والمعرفة وفقرا في الارادة والممارسة .. هنا تم تعميم الفوضى والعبث السياسي وصولا الى انقسام سياسي ومجتمعي غير مسبوق مع مصادرة القرار السياسي من اطراف خارجية واخرى محلية بحكم الامر الواقع ..

هكذا هو المشهد السياسي ..لادولة مع مجتمع متشظي ،لاتنمية ولا ديمقراطية مع انتشار الجماعات المسلحة والفوضى الامنية ، لامشروع لاستعادة الدولة والوطن مع مشاريع ماضوية مناهضة لمسار الوطن وجغرافيته .

الجميع في انتظار “مخلَص ” خارق للطبيعة لانقاذهم وهو مشهد فانتازي – يشبه ذلك المشهد في مسرحية صمويل بيكيت في انتظار غودا الذي لن يأتي.. لكنه الوهم الذي يكون احيانا اقوى من التفكير والمنطق عندما تصل حالة اليأس بالعامة والخاصة حدودها القصوى ..

عندئذ يكون التعلق بذلك الوهم او المتخيل السياسي الذي لايملك الجميع صورة متكامله عنه.. لكنهم يرغبون حضوره .. للخروج اولا من نفق مظلم من الفوضى والعبث تم صناعته محليا وبدعم الخارج القريب والبعيد ضمن لعبة تستهدف اعادة هندسة المكان في منطقتنا وفق منظورات عولمية جديدة لم يفهمها السياسي والحزبي اليمني ، ولم يستوعب دلالاتها ومعانيها، فكان السقوط والانهيار للسياسة وللاحزاب وللنخبة في آن واحد ومعها كان تدمير الدولة والمجتمع ..!

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى