فضاء حر

بعد 800 سنة .. اكتشاف معجزة يظهر في اليمن

يمنات

حسن الدولة

الأستاذ عبدالعزيز سلطان المنصوب يأتي بما لم تأت به الأوائل، فقد تمكن من العثور بعد التنقيب والبحث بين مئات المخطوطات والدواوين المنسوبة للشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي، هذا الإنجاز الذي تأخر عن الظهور.

اكثر من 800 سنة وقد وسمه الشيخ الأكبر ب: .(المعارف الإلهية واللطائف الروحانية) وتكون هذا الكشف من خمسة مجلدات احتوت على 4000 نص شعري يبلغ عدد ابياتها 31 الف بيت وهو ما لم يصل إليه شاعر عربي حتى الآن حسب ما ذكره المحقق، وهو كشف لو ظهر في بلد من البلدان لاحتفت به الأوساط العلمية والأدبية والجامعات ووزارة الثقافة.

ويأتي هذا الكشف الكبير الذي يكشف عن كنوز جديدة متزامناً مع الاحتفال بالمئوية الثامنة لوفاة ابن العربي (1442 – 638 هجرية)، إذ ولد في 28 يوليو عام 1165م، وهي ذكرى مهمة لا بد أن تعطى العناية التي تستحقها. فنحن أمام إرث فكري عظيم يعكس تطور الحياة الفكريَّة والروحيَّة لواحد من أعظم عُرَفَاءِ المسلمين وحُكمائهم، ويعطي صورة عن الإنسان في هشاشته حينما يَرِقُّ وحينما يُحِب، وحينما يتذلّل ويتولَّه، وحينما يتعرَّف ويتقَرَّب، بقدر ما يعطي صورة عن عرفانيَّته الهائلة، وفيض روحانيَّته التي ما فتئت تُغذِّي نُخَبَ علماء الشرق والغرب منذ أزيد من 800 سنة. هذا التراث الهائل سيجدِد الحياة الفكرية والمعرفيَّة والأدبية والروحية والفنيَّة، وسَيُثْرِيهَا بشكل كبير في وقت انحسر فيه الشعر العربي الحديث، ووصل إلى طريق مسدود، بعدما اختطفته جهات جَهِدَتْ في إقامة جِدارِ فَصْلٍ عازلٍ مع جمالية الوزن والموسيقى والإيقاع بأسماء براقة .. هو بالفعل بشرى سارة لكل محبي ابن العربي لأن هذا الديوان الأكبر يصدر ليس فقط محققاً، وإنما مشروحاً أيضاً من قبل الشيخ الأكبر نفسه لكثير من قصائده.

كما تجدر الاشارة بأن الصوفية تعد منهجًا أو طريقةً يتمكَّن العبدُ من خلالِها أن يصلَ إلى خالقِه، فهي ليست دينًا منفصلًا أو مذهبًا مستقلًا، وتتميَّز الصوفية باحتوائها على مجموعة من الأوراد والطرق التي يقوم بها المريدون ويردّدونها وفق تعاليم شيوخهم من أجل أن تتطهّر نفوسهم وترقَّ قلوبهم ويصلوا إلى أعلى درجات الولاية.

فإذا كان ابن العربي قد أثر تأثيرا كبيرا في التصوف الإسلامي ليس في زمنه فقط بل إلى الآن، ويعتبر أحد أبرز المفكرين المسلمين الذين حظيت أعمالهم بالدراسة والترجمة في مختلف أنحاء العالم. إلا أن محقق ومكتشف وجامع هذا الديوان الأكبر الأستاذ عبدالعزيز سلطان وهو اشهر المهتمين بتراث الشيخ الأكبر على مستوى العالم يقول بأن الشيخ الأكبر لم يؤثر في الفكر الصوفي فحسب بل في الشعر عموماـ أعمق واوسع مما تولد من قناعات لدى البعض بتواضع انتاجه الشعري، حيث اثبت المحقق عكس تلك القناعات فشعره وإن اتخذ الطابع الصوفي برمزيته اللفظية ودلالته العميقة، إلا أنه اشرق بالعقل الصوفي، (وحار حتى المهرة من الادباء والشعراء في اكتشافه وسبر اغواره) قال الدكتور عنه أديب اليمن الكبير عبدالعزيز المقالح في مقدمته للديوان بأن الجهد الذي بذله المحقق لجهد جبار سواء في البحث والتنقيب في بطون الكتب أو البحث في المصادر ثم التحقيق، وانه رغم هذا الجهد المضني لا يزال المحقق يواصل البحث عن مصادر مضافة التي ربما انها تضم المزيد من النصوص.

وفي بداية الديوان قدم لنا الشيخ عبد العزيز سلطان العارفين في هذا العصر دراسة مفصلة، كتب فيها شروحات وافية عن تاريخ ما نعرفه من مؤلفات للشيخ الأكبر، وما بقي خافياً، وكيف تم البحث عنها. ومعلومات ثمينة يحتاج الباحثون حول أسلوب وكيفية التحقيق، وتوصيف كل مخطوطة من المخطوطات التي تم الاعتماد عليها، وما تم استخراجه من أصول كتبت بخط المؤلف، أو فروع نسخت لاحقاً. معززا دراسته بجداول احصائية لبحور الشعر التي التزمها الشيخ الأكبر في كتابة قصائده محددا نسبة كل بحر من جملة النصوص، وعدد ابيات القصائد من كل بحر، وكذلك فيما يخص وزن القوافي وحرف القافية، وجداول اخرى بما في ذلك جداول للكتب ونصوصها ومخطوطاتها، كما أن شيخنا في دراسته الآنفة الذكر قد أدهشنا عند أن اخبرنا بأن انتاج الشيخ الاكبر الغزير الذي بلغ اكثر من 450 كتابا ، قد انجزه الشيخ الاكبر اثناء تسفاره في البلدان. ما يؤكد مدى عظمة تفرد الشيخ الاكبر الذي تنسب إليه الطريقة الأكبرية الصوفية، والملقب عند السادة الصوفية وغيرهم بلقب الشيخ الأكبر وسلطان العارفين وخاتم الأولياء، وغزارة انتاجه يمثل معجزة لوحده.

فهو أحد الأئمة الأعلام والورثة المحمديين الذين جمع الله لهم بين سمو شرف العلم وعلو درجة الولاية.

وتكاد لا تخلو قصة صوفي من رؤيا أو حلم كان سبباً في دخول الصوفي إلى عالم الروحانيات، وابن العربي ليس استثناء إذ يحكى أنه مرض في شبابه مرضاً شديداً، وبينما كان طريح الفراش بسبب الحمى رأى في منامه أنه محاط بعدد ضخم من قوى الشر المسلحين الذين يريدون الفتك به، وفجأة يظهر رجل قوي مشرق الوجه، يهجم على تلك الأرواح ولا يُبقي لها أثراً، وعندما سأله ابن العربي: من أنت؟ قال الرجل: أنا سورة: “يس” بعد ذلك استيقظ ابن العربي ليجد والده جالساً بقربه يتلو عليه سورة يس، ولم يلبث أن شُفي من مرضه بعد ذلك.

اعتبر الشيخ الاكبر ابن العربي أن تلك كانت إشارة إلى استعداده لدخول عالَم التصوف، ولم يكمل عقده الثاني إلا وكان منغمساً في كتب المتصوفين والحكماء والعلماء والفلاسفة ومستعداً للسير في طريق الحياة الروحية حتى النهاية.

وقد ذكر الشيخ الأكبر ان سبب تسفاره وترحاله وتنقلاته بين بلدان المشرق والمغرب أنه تراءى له طائر بديع الصنع يحلّق حول عرش عظيم محمول على أعمدة من اللهب، اقترب الطائر منه وهمس في أذنه: “ارتحِل شرقاً وأنا سأكون مرشدك السماوي، بينما سينتظرك رفيق بشري من مدينة فاس”.. بسبب هذه الرؤيا، ارتحل محيي الدين بن العربي من مدينته مرسيَّة ليجوب في بلاد الشرق 23 عاماً، ويصبح واحداً من كبار المتصوفة والفلاسفة المسلمين على مر العصور.
إلا أن المحقق شيخنا الجليل يضيف رؤيا ثالثة تظهر مع ظهور هذا الديوان خلاصتها بأن الشيخ الاكبر قال : (وكان سبب تلفظي بالشعر ، أني رأيت في الواقعة ملكا جاءني بقطعة نور الشمس فقلت : ما هذه؟ فقيل لي سورة الشعراء .. إلى ان يقول ورجعت إلى حسي وأنا أتلفظ بالشعر من غير روية ولا فكرة وما زال الإمداد إلي هلم جرا).

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520.

زر الذهاب إلى الأعلى