فضاء حر

الدولة المدنية أو الفناء

يمنات

حسن الدولة

قال مظفر النواب في احدى قصائده ما معناه بأن حكامنا يخصون لنا الأسماع منذ مجيئنا الى الدنيا؛ ونسير مقلوبين كي لا ترى مقلوبة في اعيننا البلدان . وفي هكذا مجتمع يصبح الوعي تهمة، وحرية الرأي جريمة يعاقب عليها المجتمع قبل الدولة، وتتعدد مأساة المثقف العربي وقد تختلف مأساة كل قطر عربي فكلما كانت الدولة ترفع الخطاب الديني في مواجهة الشعب، وتفرض سيطرة مذهب أو عقيدة على حساب بقية المذاهب، فأن مأساة المثقف العربي تتفاقم، وبالتالي يكون المقف فيها اكثر اضطهادا، وبالرغم من ذلك فيمكن ان نجمل تلك المأسي التي تعاني منها المجتمعات العربي في الأتي:

اولا : مأساة المثقف الوطني:

في ظل هذا الواقع البائس الذي يغص بالعنف الفكري والاستلاب السياسي.. يصطدم المثقف الوطني بمجتمع لا يعي حجم الدمار والدسائس التي تحاك ضده.. ويصبح المناضل الحقيقي في نظر الآخرين مصدراً لكل الشرور، وتحشد ضده كل الدسائس، وتحاك خوله المؤامرات ، وربما تؤدي إلى التخلص منه، حيث يتم تتبع سقطاته وزلاته للإيقاع به في براثن سلطة المجتمع المدجن الجاهل.. واحيانا يقع فريسة المحاولات المستميتة التي تريد منه أن يتحول إلى بوق لبث ثقافة الكراهية وتعميم ثقافة الفتنة.. فأما ان يكون مع القطيع وإلا فهو خائن ومرتزق وعميل فيضطر ان يغدو أداة رخيصة لتحريض أفراد وفئات المجتمع على قتال بعضهم بعضاً.

ثانيا: مأساة التواكلية :

نحن مجتمعات تواكلية، نتواكل على الله ولا نتوكل عليه، أي أن لا نستعد لمواجهة النوازل والوقائع والأحداث ومسيرة العصر، فنعد العدة ثم نتوكل على الله في التنفيذ، لكننا نتواكل وتحت شعار (لا تفكر وفي السماء مدبر) وبسبب هذا التوكل فإننا نميل بشكل قوي إلى ترك القضايا المصيرية لرجال القوة والسلطة للبت فيها.. وبذلك يجري إنتاج واقع مليء بالصراع.

لذلك فإننا في أكثر الأوقات نقع تحت تأثير الآخرين بطرق لا سيطرة لنا عليها.. فالقوى المتنفذة هي التي تشعل الجروب وهي التي تنتج الخطاب الذي يساعدها على تجييش المجتمع لتحقيق مآربهم الدنيوية الدنيئة، فنحن نقتل بعضنا بعضا ، وندعي بأننا ننفذ ارادة الله ومشيئته وهذه السلبية، التأثرية، تدشن من نحن.. ولكي نتخلص من هذه التواكلية فيجب أن نطور معارفنا بالحصول على مزيد من المعارف والافكار بشكل مستمر، فأننا بهذه المعارف نتمكن أن ننقذ أنفسنا من قبضة الآخرين، من خرافاتهم.. من أكاذيبهم.. ومن تضليلاتهم.. من دجلهم..ونفضح ما يجري من تزييف وعي الناشئة عن طريق إشاعة المعرفة في صفوف الشباب فالمعرفة الجديدة تسمح لهم دائما بأن يكونوا مستقلين.. إنها تدفع بنا لأن نكون معارضين معارضة منطقية وعقلانية.. إنها ديمقراطية المعرفة الحقة.

كما تسمح لنا أن نكون مع حرية الرأي والتعبير.. حتى لو كانت ضد أفكارنا ومعتقداتنا واختيارنا.

وأن نقول لهم: “دعوا الشعوب تحكم نفسها بنفسها”. وأنه لا يخاف من الرأي المخالف إلا اصحاب الفكر السقيم..

وأن نقول لمجتمعنا: “غنوا للسلام.. وابنوا العدالة والحرية التي تليق بكم”.

ثالثا : نحن شعوب مظلومة:

إننا في اليمن شعب مظلوم وبائس.. وأن خياراتنا في الحياة الكريمة نادرة مثل العشب الذي ينبت بين مفاصل الصخر الذي يعاني من الجفاف لوقت طويل.. فترى الناس يذرعون الشوارع هائمين من شدة القنوط.. وتسدل الليالي المتعاقبة ظلامها على قراهم والمدن.. فتحيل أفقها إلى قطعة شاسعة من السواد.. وما من مصباح إنارة واحداً ليجلو هذا الغسق الطويل.. هذه هي باختصار حياتهم اليومية في زمن الحرب والجوع والانكسار!

يتسم الوضع السياسي بالفراغ والصمت والجمود غير المسبوق.. بينما يمكن تحريك هذا الوضع بطرح القضايا الرئيسية التي يواجهها المجتمع والناس وهم يتخبطون وسط جحيم الكارثة الشاملة!

ومن عمق هذه المتاهة، يتابع اليمنيون بقلق وامتعاض شديدين معالم الطريق الإجبارية التي يراد لهم أن ينعطفوا إليها.. ومشكلة السياسيين أنهم مغرمون بالدسائس والمؤامرات.. ويطلقون عليها زوراً “مؤتمرات” ويحتفون بقراراتها الكارثية بصورة مقززة.. والتي لم تنتج لنا سوى الكوارث والحروب..

فالحرب ليست فقط هي ما يحرق حاضرنا.. ولكنها أيضاً ما يستمر فينا من رماد حتى بعد خمود حرائق الموت!

رابعا : اننا لا نحب بلداننا أي أننا غير وطنيين:

ليس وطنياً من يعمل على معاداة وطنه ومعاداة أهله والتفرقة بينهم..
وليس وطنياً من ينهب خيرات وطنه وثرواته ويقتل ويشرد ويجوع أبنائه..

وليس وطنياً من ينشر ثقافة الكراهية والحقد بين أبنائه..وليس وطنيا من ينقل استثماراته وتجارته ليستثمرها في بلدان غيره.. ليس وطنيا من يتسبب في دمار وطنه..ليس وطنيا من يستند إلى دول خارجية للتخلص من خصومه السياسيين والمخالفين له في المذهب أو الجهة، أو العرق.. ليس وطنيا من يمزق نسيج مجتمعه..
ليس وطنياً من يسعى لتدمير الوطن من أجل مصالح ذاتية ضيقة..
كما أنه ليس من حب الوطن كل هذا الخراب للنفس والأرض والحياة!!!

خامسا: انه يحكمنا من في القبور:

إننا نسير وفقا الأراء وأقوال رجال عاشوا في زمن غير زمننا وتوجهوا معضلات غير تلك التي نواجهها، تقدسهم، وتسير وفق مذهبهم لا وفق منهجهم، وهكذا فإننا نعيش وضعاً يتسم بهيمنة الماضي الذي يحكم الخناق على الأحلام الوطنية الكبرى.. فالجروح لا تزال مفتوحة منذ عقود بلا التئام.. وتتجدد..ومنذ ست سنوات وننحن ننكأ تلك الجروح ونعمل على تعميقها، أكثر واكثر ، وكل ذلك على حساب اليمن انسانا وارضا، وتقدم الأرض للتوسعية الكبرى تلك الدولة التي تراهن على بغي اليمني على أخيه اليمني وهناك تباع الضمائر ويسهل لها قضم الارض اليمنية، فدعاوى الجنوب العربي ، والهوية الحضرمية وبقية الهويات الصغيرة التي يروج لها اصحاب المشاريع الصغيرة تصب في مصلحة التوسعية، وهكذا يتنبأ المثقف الوطني مخاوف متزاحمة.. تنذر بموجات متدافعة من التشظي المجتمعي.. في الوقت الذي لا تزال مراكز القوى لا تريد الاستسلام ولا ترغب بالاعتراف والتصالح مع الشعب.. وانه يجب على الكل أن يتنازل للكل أي للوطن الذي يستوعب الجمبع…

أمام هذه المخاطر فإن الحماس وحده ليس كافياً للنجاة..

يجب أن نعي.. بأن هذا الوضع يؤكد حقيقة راسخة هي أن لا أحد يعير اهتماماً بشيء اسمه الشعب.. وبحاجة اسمها الوطن ..وإنما كل ينظر إليهما كأدوات تستخدمها كل الأطراف لتقوية حضورها التفاوضي.. ليس من أجلنا.. وليس من أجل الوطن.. فقط من أجل تغيير موازين مراكز القوى.. ومن أجل مصالح ما قبل وطنية.. وفي سبيل تسوية الحسابات القديمة والجديدة والمتوقعة مستقبلاً!!!.

كما يجب أن نعي.. بأنه يمارس علينا عملية التضليل والاستخفاف بالعقول.. والتلاعب باستحقاقات الوطن الأساسية.

لذلك ينبغي علينا الآن أكثر من أي وقت مضى: استحضار الضمير.. وإعلاء الشعور الوطني دون أي تحفُّظ.. وأن نرفع أصواتنا في وجه الفاسدين والمجرمين والخانعين والقتلة والمجرمين وتجار الحروب والمرجفين، والمرتجفين. ونحقر بائعي الذمم.. ونؤجج الإرادات الواعية من أجل اليمن الجديد الذي حلم به شباب ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م الثورة التي تم التآمر عليها في المهد وحولت من نعمة إلى نقمة..

سادسا : هل نحن قادرون على التغيير:

هل نحن قادرون انزنبني دولة مدنية يبتعد عنها الخطاب الديني، فلدينا كل الخيارات مفتوحة فأما الفناء أو التغيير… وهدف التنويريين والمثقف العضوي الوطني هو تفادي الفناء.. بينما يفضل الطغاة وتجار الحروب الفناء.. لأن التغيير ينسف مصالحهم.

ونظراً لأن الطغاة وتجار الحروب هم من ينوبون عنا في تسيير شؤوننا.. فإننا بالضرورة واقعون تحت تأثيرهم المباشر.. فنحارب التغيير!وأن من نظن اننا نحسن صنعا ، واننا نحافظ على القيم والمبادئ والثوابت، واننا في وطن نموت من اجله لا نعيش فيه لنبنيه..

وهنا يمكننا الإقرار بأننا نمثل نموذجاً للمجتمع الممسوك.. المحروم من أي تماسك ذاتي.. مجتمع يتحكم الماسكون بمستوى تماسكه ووحدته!!

صحيح أنه قد يحدث بعض التغييرات الطفيفة التي لا تهدد مصالح الطغاة، في أحسن الأحوال.. ولكن الأصح هو أن الطريق إلى التغيير الجذري لا يزال محفوفاً بالمخاطر.. ومليئاً بالأشواك!

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520.

زر الذهاب إلى الأعلى